صعق الرأي العام في أقل من أسبوع، بوقائع مهولة وصادمة، ألفها الناس في أفلام الخلاعة الهوليودية، ولو كانت من جنس التمثيل لاستغرق ذلك شهورا وأيام، وأغلب هذه الوقائع مستفزة لمشاعر الناس وقيمهم وعاداتهم، أثارت حفيظة الكثيرين ـ وحق لهم ذلك ـ وأذهلت ذوي المروءة من بني الإنسان حيث كان.
بعضها مست العِرض كحادثة اغتصاب في الحافلة المعروفة بالدار البيضاء، وبعضها مست حق الحياة، كقتل مستخدم من طرف مسؤول في شركة بطنجة. وبعضها مست العِرض وتجاوزت العرف، كاغتصاب جثة فتاة بعد اقتلاعها من قبرها بسلا، وأخريات بمدشر وحي فلان هنا، وأخرى بمدينة هناك،.. لكن، هل أحصينا كل الفظائع التي لا تعدوا أن تكون سوى حصاد، لحرث لم يحسن الفلاح في تعامله مع المزرعة حرثا وزرعا وسقيا ومداواة؟ كلا؛ بل ما خفي أعظم.
إنها وقائع مقززة حقيقة، ويجب أن تحرج الجميع، وتضعه محط “المساءلة” و”المحاسبة”، لكن باعتبارها وقائع محضة، بغض النظر عن المكان والزمان والكيفية والأشخاص، تبقى سائدة في المجتمع، في واضحة النهار، وفي جوف الليل، بالحي والشارع، بالحمام والبيت، من أسفل الدرج إلى أعلاه. وتبقى الكيفية والمكان وطبيعة الأشخاص والتظاهر بالجريمة، عناصر مستفزة ومقززة، زادت الوضعيات فظاعة واستهجانا، وقابلها المنصفون رفضا ونكرانا.
لكن في السياق ذاته، من الذي ينكر أن بعض تلك الوقائع، بمثابة نتاج لوضع عام، لا يكاد ينفصل فيه الأمر عن حصاد سنوات عجاف من “التعليم” و”الصحة” و”الديمقراطية” و”الحكامة” و”الإقتصاد” و”الأمن والأمان” ؟؟؟
أليست تلك الجرائم والانحرافات كلها، صناعة ماهرة من لدن يد خبير؟ كيف تستفزنا ممارسات مراهقين ولا تحركنا كبائر علية القوم؟ لست هنا مدافعا ولا مبرئا لسلوكاتهم، لكن حسبتهم مراهقين مقبلين على مرحلة عمرية لها خصوصيتها الفريدة في النمو والنضج حسب المتخصصين، مرحلة يتميز فيها جل الشباب، بالعنفوان وفرط في النشاط، والتمرد على العادات والقيم، ـ ما عدا المجاهرة ـ وخروج عن المألوف، والإحساس بالاهتمام.
أليست الجرائم والانحرافات السلوكية صناعة يومية، حينما يرخص للدعارة بأشكالها، والمخدرات بأنواعها، وعكوف دائم في الدرب بلا شغل؟
إذا كان الأمر كذلك، ما الذي عساه استدعى هذه الوقائع في هذا الوقت بالذات؟ أأنها عفوية الوقوع والحدوث؟ أم أنها جرائم دبرت في الخفاء لتشغل الناس بأحداث وأشخاص ـ على خطورتها ـ عن أمهات القضايا وأشرفها، حرية شعب يبحث عن نفسه وسط ازدحام ، ليستنشق عبير الحرية والكرامة، وعن مطالب شعب يأبى الخنوع.
إن بعضها صرف للأنظار بكل المقاييس، وكان ذلك باحترافية كبيرة، من طرف من يلهي الناس بالناس، أعوذ بالله من الوسواس الخناس. تضخيم الوقائع هنا وهناك، رغم أنها لا تحتاج إلى نفخ في الكير، هدفها إشغال بال الرأي العام عن سيرورة المطالبة بالحقوق في الريف وغيرها من المناطق المنتفضة، ريتما ترجع الأمور إلى عادتها، أو تموت الانتفاضات موتة سريرية مع مرور الزمن.
فمن يا ترى يتساءل عن إطلاق سراح رئيس المجلس البلدي بالجديدة المتهم بسرقة 17مليار، والحكم على الناشط الذي فضحه بثلاث سنوات نافذة؟ ولماذا تم إغفال معتقلي الحراك الريفي، وكأنهم في خبر كان.
ثم ما معنى إلقاء اللائمة على الضحايا من أبناء وبنات الشعب المقهورين، وجلد ما تبقى من هياكلهم المتآكلة، لتبرير أي تدخل محتمل، وأي خطوة مقبلة، وللعزف مرة أخرى على سمفونية “الأمن والاستقرار” من جديد؟