تذكرت أني كتبت تقريرا عن المرأة ودورها في بناء المجتمع، عندما ولجت الجامعة أول عام، وألقيتها في حفل ختامي لمنتدى الطالبة في دورته الأولى بالجامعة الملالية، ثم أعدت إلقاءها في المناسبة ذاتها بعد سنتين من ذلك، حيث كانت الأستاذة المتدربة آنذاك أنموذجا للمرأة المغربية الساعية إلى الانعتاق من قيود الظلمين، المادي والمعنوي، ونشدانا لمستقبل آخر لهذه الأمة.
كان ذلك حافزا لأعود اليوم أسجل أن فلاح الأمة وصلاحها مقرون بصلاح وضع المرأة، باعتبارها الأصل والمنبع الأول لكل جيل. وقد صدق المفكر علال الفاسي، حينما قال: “لن يفلح هذا الوطن، ما دام لم يعط حيزا مهما للتفكير في قضية المرأة”.
غادر المجاهد علال الفاسي، رحمه الله، وبقيت دعوته الصادقة النابعة من غيرته على الوطن صيحة في واد، وكتب بعده المجاهدون كتبا ومقالات منها ما رأى النور في عالم مظلم مكفهر، ومنها ما بقي محاصرا مرفوضا لجدية أفكارها ومركزية طرحها في الإصلاح الحقيقي لوضع البلد.
نكتب البارحة، ونعيد الكتابة اليوم في أساسيات الأمة، لأنها الوسيلة الوحيدة لكشف القناع على بداية الطريق نحو يقظة الأمة ونحن ننتظر النصر الموعود من عند الله تعالى. فلا شك أن هذا المخاض بداية ولادة جديدة للأمة، فما بعد العسر إلا اليسر، وما بعد ظلام الليل إلا نور الفجر وبهاء الصباح.
نقف في هذه الأسطر القليلة، لنقول: إن السياسة التي تشغل طاقات بشرية، وتهدر فيها أموال طائلة في مختلف قطاعات البلدان من تعليم وإدارة وصحة وفن وإعلام ورياضة، وغيرها، لا يمكن أن تفلح وتثلج صدورنا إذا لم تجعل قضية المرأة ضمن أولوياتها. فإن كان وضع التربية والتعليم نتيجة وضع المدرسة وطبيعة مقرراتها، فإن الوطن بكامله نتاج مدرسة الأم. ولله درّ شاعر النيل، حافظ إبراهيم، حينما اعتبر المرأة مدرسة في قصيدة مشهورة له.
لا يسمح المجال هنا لنخوض في قضية المرأة من حيث التأريخ لها عبر الحضارات القديمة، ولا الحديث عنها من الجانب الشرعي، ولا أن نعطي أرقاما اقتصادية وسياسية، فلكل ذلك رجاله المتخصصين، والواقع أبلغ من القيل والقال.
عندما نثير هذه القضية نؤكد على ضرورتها في بناء الأمة، باعتبارها قضية لا يمكن في أي حال تجاوزها وتجاهلها، هذا من الجهة الأولى، ومن الجهة الثانية، فإن الهدف من هذا الطرح توجيه بعض الأقلام إلى القضية.
ولعمري إن الخلاف الحزبي، والنقاش الضيق، والنظرة القاصرة للمستقبل، داء استنزف طاقات أبناء الأمة وشغل اهتماماتهم، فكانت النتيجة الطبيعية المنطقية لهذا المنطلق: قطف القشور وضياع اللب.
نعود في ختام هذه القضية لنقف عند قضية محورية في موضوع المرأة، حتى لا نكون كمن يدمل ظاهر الكلم وباطنه مشتمل على الداء (بتعبير شيخنا ابن سينا)، فقد كتب باحثون كثيرون في القضية ودافعوا عنها إلى درجةٍ صارت في شعارات حرية المرأة وحقوق المرأة مطروحة في الطريق. وما الدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث علينا ببعيد.
كلام أحمق وسفيه كان همه التغيير ولم يعرف بعد من أين الطريق، بليد لم يتساءل يوما من أين البداية، تلفظ اللسان فكان رد فعل لمرض قلبي، وصلت به جرأته السخيفة إلى التطاول على الله، وعلى كتاب الله، كما نادى أجداده من قبله بالحرية في العري ونزع الحجاب، والزنا، وحرية التصرف في الجسد.
عن أي تغيير نتحدث؟ وما الفلاح الذي يقصده الرجال؟ وما المستقبل الذي ننشده ونرنو إليه يا معشر الفضلاء؟
نطرح التساؤل الدقيق، لنبحث له عن جواب صريح ودقيق نقدمه لاحقا.
بقلم الطالب : مصطفى العادل