من منّا لم تستهويه حكايات الجدّات، وقصصهن التي لا تخلو من العِبر ، تلك العوالم السّحرية التي تُلغى فيها الأزمنة والأمكنة وتفيضُ فيها مشاعر الوفاء والتضحية والعدل، وينتصِر الخير فيها دائما، تنٙاقلتها الأجيال شفاهة، فنٙمت بفضلها مخيّلات الوِلدان وأخٙذ منها الشباب الدروسٙ والعبر، فدعوني آخذكم بدوري بحكاياتي هذه إلى زمنٍ آخر، هناك من سمّاه بزمنِ العجائب لكونه مليئا بالقصص والغرائب…
كان يا مكان في هذا الزمان، زمن الظّلم والبهتان، زمن الحروب و الطغيان، كان هناك رجل جبان، قتل النساء والولدان، قصٙف الشيوخ و الشبان، وهجّر ما بقي من إنسان، ظنّ بأنه سيطٙر على المكان، وأخرسٙ اللّسان، رسٙم حوله حدودٙ ائتمان، مرّت سنوات ثمان، نصّب لأبيه تمثالا في المكان،فحان الأوان، خرج السكان، وأسمعوا صوتهم لكل الآذان، بأن لا تنازل للطغيان، ارحل يا بشار الجبان، ارحل أنت وكلّ من حالف و خان، هذه الشام أرض الإيمان، لن تسقط بإذن خالق المكان…
…وغير بعيد عن الشام، كانت العراق وجهة لكل عالم عربي، ورمزا للحضارة والرّقي، صارت أرضا للظلم والبغي، قائمة على التركيب الطائفي، طالت الحرب بين العربي والكردي وبين السّني والشّيعي ليدخل في الخط بعد ذلك الداعشي، سُلبت البيوت و الأراضي، وقُتل كل من قاوم المعتدي. صار الضّعيف يأكله القوي، والكلمة العليا للغني، صار المظلوم في السجن يعاني, خُرِّب التعليم بشكل كلّي، وبِيعت الشواهد في السوق المركزي. غٙيّبت المخدرات الشباب عن الوعي وأخذ نهرُ دجلة أرواح 93 عراقي، في حادث مأساوي، قيل كالعادة بأنه سيُفتح له تحقيقٌ فوري, هي العراق ذلك الوطن الغالي رغم العبوات و المفخخات لن ينتهي وسنضرب موعدا لننشد معاً أنشودة موطني..
…وفي جنوب العراق إمارةٌ انطبق عليها وصفُ حبيبِ اللّه بإمارة الصّبيان, فيها الحقّ هان, والباطل عمّ المكان, ففوق الكعبةِ صعٙد بن سلمان و رمٙى بالعُلماء خلف القضبان، وحمل المنشار لإخراس اللسان, حتى فُضح في البلدان ,وزّع الأموال ليعيش كلّ دكتاتوري جبان, حارب الإسلام بتفان, في اليمن قتل الشبّان وانتزع الأمان, وعن نواياه الصهيونية أبان, نسأل الله تحريراً للحرمين الشريفين من أيدي الطغيان, وفتحاً ثانياً لمكة من بطش آل سلمان، فإن كان الأمان في بيت أبي سفيان، فلا أمان في بيت ابن سلمان…
…هي جرحٌ آخر يعجز عن الإلتئام، هي جزءٌ من عقيدة الاسلام، عاشٙت سنين الشّتات و الانقسام ، وتٙكالُبِ جميع الحكّام، كان أهلها الضّحية على الدوام، من صهيونيّ لم يكفّ عن الإجرام، إلى عميلٍ مخضرم في الاستسلام، وهيآتٍ تتبادل أصابع الاتهام، كيف لهذه الأرض أن تُشفى من الأسقام؟ سقط الشهداء فيها بالأرقام وعُذّب الأسرى في سجون الظلام، وحُرّمت فيها الأحلام, ولم ينصفها الإعلام، في كل مرة نرى فيها مشاهد الاقتحام, تُمزّق قلوبُنا من الآلام، ولكن سرعان ما يرسم على محيّانا الابتسام، حين نرى شباب الاعتصام وأبطالٙ عمليّات الاصطدام، وكيف خاف الحاخام, ألا تحية الودّ للأبطال والاحترام، فبكم ستزول الأورام، وتعود حقوق الثّكالى و الأيتام، ويتحقّق موعودُ الله في الأقوام، ويُحرر البيتُ من الجذام…
وغير بعيد عن فلسطين كان هناك رجلٌ سمّى نفسه بالأمين الصادق، وأقسم بالله بأنه ليس بسارق، دون أن يُدلي بالوثائق، نسِي كيف كان بسببه الدّم يُراق، وكيف قطّٙع بالأمس الأعناق، وكيف قدّٙم الظّلم والجور للشعب في الأطباق، وكيف أُعدِم المُسافرون في المحارق، وكيف نٙشر الإِملاق حتّى عانٙت أمعاءُ الشعب من الالتصاق، لم يجدو وسيلةً للاسترزاق، والأسعار في سباق، وكلما طُولب بإيجاد حلّ أمر بفتح الصناديق، أهدر الأموال في المؤتمرات والفنادق، حيت اختبأ خلف الأبواق، يُلقي خُطبه عن الأخلاق، ويُعطي وعوداً بمستقبل الاستشراق، وهو عن الكرسي لا يٙنوي الافتراق، عدّٙل الدستور وأعلن أنه فيها بٙاق، فما أقبحه من نِفاق…
…بعد ثلاثين سنة من الظلم والتفقير، والرّقص والتّبشير، حان دور الشّعب الأسير، ليٙرقُص رقصةٙ التّحرير، فقد سٙقط عُمر البٙشير، كما سقط من قبله الكثير, تحقّق حُلم الجماهير، بعد سنواتٍ من التّعسير, فنسأل الله لهذه الثّورة التيسير، لكي لا يطالها التّزوير، كما حدث من قبلُ للكثير, نسأله تعالى أن يكون القرار للجماهير، لتقومٙ بعملية تٙطهير، لما خلّفه حكم البشير، وتنعٙم بأُولى خطوات التّغيير نحو الكرامة والتحرير، فهذا الشعب الأسير، حقّاً بها جذير…
…من المشرق إلى المغرب العربي، وفي يوم تاريخي، صاح الإعلام العربي، دولة يحكمها مقعد على كرسي، وكأن الواقف عندهم بالحق يٙستوصي، اتّفق الجميع على أنه غير سويّ، خرج الجٙمع الفتي, صٙرخوا بصوت واحد هذا يكفي، أبدعوا في التعبير عن الرأي، و تظاهروا بشكل سلمي، أخيرا تكلّم المريض وهو يعاني، وقال : “لم أكن أنْوي!” فرح الجُموع وفي الشارع احتجّوا بشكل يومي، ليطالبوا بتغيير سياسي جذري، فضربوا مثالا للنضج والرقيّ، وأعطوا درساً في الالتحام الايديولوجي، ورفٙضوا كل تدخل أجنبي، وأسقطوا صفة “الفتنة” عن كل حراك شعبي سلمي…
..أما الجار الغربي فيقولون عنه بلد الاستثناء، بحجة أنه لم يُرِق الدماء، لم يعلموا أن النّزيف يكاد ينفجر داخل الأحشاء، البطالةُ اكتسحت الأرجاء، والأصوات علٙت في الأنحاء، فهنا غضبٌ للطلبة الأطباء، وهناك أستاذٌ كسّرت عظاٙمه تلك العصا السوداء، وفي كل مكانٍ تُوٙزع الأقفال والشّمع بسبب الانتماء، والحجّة أنّك خصّصت بيتك للصّلاة والدعاء، ويستمر الإيذاء، من تلفيقٍ للتّهم الغوغاء ، و قطعٍ للأرزاق، عن كل من خالف الآراء، ويٙليها إطلاقُ الإصلاحات العرجاء، ليكونٙ مصيرُ المكتسبات الإلغاء، ثم نٙشر التّفاهة للإلهاء، لتتعرض العُقول للإجلاء، ويعمّ الصّمت في الأرجاء، ليُسمّٙى الاستبدادُ أخيرا “استثناء”…
مرة في كل سنة، تلتقي شخصيات حكايتنا في جلسة دولية، يسمونها القمة العربية، وهي حفلة استثنائية، تضيع فيها مصاريف دولية ، لتُوفِّر للضّيوف راحة نوعية، لدرجةِ أن كراسي القاعة الرئيسية، هي المكانُ المناسبُ للنّوم بأريحية، حتى يصل دوركٙ في إلقاء كلمٙتك الأسطورية، والتي غالبا ما يكون موضوعها بعيدا تماما عن حال الشعوب العربية, ثم يلتقطون صورةً جماعية، وينتجون بيانات آلية، ليعودوا بعد ذاك ل”حياتهم” الطبيعية…
هي حكاياتٌ لأُمّةٍ كانت تسمى ب”أعْقل الأُمٙم” وقعت في زمن واحد، وأماكنٙ مختلفة، لكنها قصص متشابهة، كان ولازال فيها الفاعلُ شخصاً واحداً، والمفعول به كذلك، لكن مهلا ! لم تكتمل الجملة الفعلية، فلابد أن ينتصر الخير في النهاية، بعد الفاصلة، لنا بإذن الله موعد مع فعل آخر وفاعلين آخرين…
هي حكايةٌ لدعوةٍ دجالية وحربٍ ضد الاسلامية، يلزمها استعدادٌ ويقينية، فالقُنوط من الكفر، والانتظار من البخل، وقدرة الله أعلى من كل ماكر، فلنٙنْفُض غبار الوهن إذن! ولنُقِم الدّين في أنفسنا، ونعملٙ على كتابةِ تتِمّة الحكاية، لننال شرٙفٙ رٙسْمِ النّهاية،التي وعدنا بها خير البرية…