تتوالى الفواجع في وطن المواجع على الشعب الجائع ، فما أن يستكملَ القلب علاجَه و تستعيدَ الأجساد عافيتها حتى يُوجَّـه إليها سهم آخر يطعنُها ، و حامل السهم واحد و إن اكتسى في كل مرة بلباس جديد لكن يبقى كساؤه أسود و إن غطى وجهه بألف قناع مختلف لكن ملامح وجهه تبقى جلية حتى للأعمى ، و يصرخ الآدمي صرخة وجع حتى يُقالُ أن الحديد سينصهر لشدة حرارة القلب المتألم و الأرض ستتزلزل حتى سابع أرض و السماء ستمطر دما من سابع سماء لقوة الصرخة ، فالكُـل مشفِق لحاله إلا من رُفعت في وجهه الصرخة ، هو ليس بأصم و لا أعمى هو فقط أصم عن نداء الشعب و أعمى عن حالة الشعب ، هو سيد القوم لكنه أغرَبُهم عنهم ، يفهم لغتهم و كلامهم لكنه عن الإجابة مُعرض و يوم يُجيب لا يَستجيب و إن استجاب أعطى أمرا أنْ جهُزوا للميت قبرا و الميت قد قال قبل رحيله ” أريد قصرا ” .
هي ذي حالة الشعب في وطن لا يَعترف فيه من هم فوق الشعب بالشعب إلا في خطاباتهم .
صرخات عَلَتْ من كل بئر حُفر لوأد الشعب ، ليست بواحدة أو عشر أو مئة بل هي ملايين الصرخات دوت مُطالبة بحقها ، مُنددة بإجرام ينْده له الجبين ، مُذكرة من هم فوق الشعب أن تحتهم شعب مقهور في ” الكاريانات ” مقبور ، إلا أن التذكير يرتطم في كل مرة بجدار التجاهل و التماطل بل و يُحولونه إلى حطب يزيد نار الظلم اشتعالا فتأكل اليابس الذي كان قد بقي للشعب قبل التذكير و تحيط بالأخضر دون أن تلمسه محذرة من يقترب منه بأشد عذاب .
أخضر هو في الأصل زُرع و نما في أرضِ و بحرِ الشعب ، بين فوسفاط و رصاص و زنك و ثروة بحرية ، و بدل أن يَحصدَ الشعب من أرضه و يصطادَ من بحره تحول هذين العنصرين لنقمة ، بين أرض تسيل فيها دماء المحتجين و تضيق فيها السجون بالمُعارضين و بين بحر التهم عشرات الفارين على قوارب الموت طمعا في الحياة ، و امتد زلزال الفساد و طوفان الظلم ليجمع ما بقي من دريهمات في جيب الشعب و يُنزلها على عتبة باب ” المسؤول ” ليُكمل بها المليار و الثاني و العاشر و العشرة الأولى من الدراهم لم تُجمع بعد في يوم المواطن .
أخضر لا ينال منه المواطن المغربي حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة في حادث سير في يوم ممطر في طريق جبلية لا تدوسها إلا أقدام حافية أو سيارات متهالكة ، أو في بحر عَلَتْ أمواجه في ليل أسود كَسَر ألواح قارب حَمَلَ ما لا طاقة له به من نفوس عاشت أنْهُرا سوداء في وطنها الأم ، و عَدّدْ ما شئت من مَثيل هذه الحالات التي تأتيك بأخضر وطنك على هيئة تعزية و كفن أبيض و صندوق أسود و قبر و ربما – إن كنت محظوظا – تحظى بالركوب على متن مروحية طبية عسكرية ، فموتك ثمن للسلعة ” الخضراء ” .
لكن ماذا عن حقنا في الأخضر قبل الموت ؟! أ لا تكون الترقية بدل التعزية ؟! و اللباس الأبيض بدل الكفن الأبيض ؟! و النقل الأجود بدل الصندوق الأسود ؟! و البيت بدل القبر ؟! أ لا يكون الفرح بدل القرح ؟! أ لا نعلن الأعياد بدل الحداد ؟! أ لا تسمعون صوتا يقول ” نريد القصْرَ لا القَبْر ” ؟! القصر الذي يمتد من أقصى الشمال لأقصى الجنوب و من أقصى الشرق لأقصى الغرب بأخْضَرِه اليانع . أ تقتلوننا و تَمْشُونَ في جنازتنا ؟!
أمّا فإنّ الأماني قد أغرّتكم و مِتُّم قبل موتكم و أقمتم الجنازة على أنفسكم و لا عزاء لنا فيكم !
——————————————————————————————————-
بقلم الطالبة : آسية لوليدي