إيمانيات
الشفا بتعريف حقوق المصطفى (1)
إبرازا لشمائل المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتعريفا بقدره الجسيم ، و خلقه العظيم ، و بيان خصائصه التي لم تجتمع قبل في مخلوق إخترنا لكم فصولا من كتاب “الشفا بتعريف حقوق المصطفى” للقا ضي عياض نسوقه لكم في حلقات.
في اجتماع الخصال المحمودة فيه صلى الله عليه و سلم
إذا كانت خصال الكمال و الجمال ما ذكرناه ، و وجدنا الواحد منا يشرف بواحدة منها أو باثنتين إن اتفقت له ـ في كل عصر ، إما من نسب أو جمال ، أو قوة ، أو علم ، أو حلم ، أو شجاعة ، أو سماحة ، حتى يعظم قدره ، و يضرب باسمه الأمثال ، و يتقرر له بالوصف بذلك قي القلوب إثرة و عظمة ، و هو منذ عصور خوال رمم بوال ، فما ظنك بعظيم قدر من اجتمعت فيه كل هذه الخصال إلى ما لا يأخذه عد ، و لا يعبر عنه مقال ، و لا ينال بكسب و لا حيلة إلا بتخصيص الكبير المتعال ، من فضيلة النبوة و الرسالة ، و الخلة و المحبة ، و الإصطفاء و الإسراء و الرؤية ، و القرب و الدنو ، و الوحي ، و الشفاعة و الوسيلة ، و الفضيلة و الدرجة الرفيعة ، و المقام المحمود ، و البراق و المعراج ، و البعث إلى الأحمر و الأسود ، و الصلاة بالأنبياء ، و الشهادة بين الأنبياء و الأمم ، و سيادة ولد آدم، و لواء الحمد ، و البشارة ، و النذارة و المكانة عند ذي العرش و الطاعة ثم ، و الأمانة و الهداية و رحمة للعالمين ، و إعطاء الرضا و السول ، و الكوثر ، و سماع القول ، و اتمام النعمة و العفو عما تقدم و تأخر ، و شرح الصدر ، و وضع الوزر ، و رفع الذكر و عزة النصر ، و نزول السكينة ، و التأييد بالملائكة ، و إيتاء الكتاب و الحكمة و السبع المثاني و القرآن العظيم ، و تزكية الأمة و الدعاء إلى الله ، و صلاة الله تعالى و الملائكة ، و الحكم بين الناس بما أراه الله ، و وضع الإصر و الأغلال عنهم ، و القسم باسمه ، و إجابة دعوته ، و تكليم الجمادات و العجم ، و إحياء الموتى ، و إسماع الصم ، و نبع الماء من بين أصابعه ، و تكثير القلي ل ، و انشفاق القمر ، و رد الشمس ، و قلب الأعيان ، و النصر بالرعب ، و الإطلاع على الغيب ، و ظل الغمام ، و تسبيح الحصا ، و إبراء الآلام ، و العصمة من الناس ، إلى ما لا يحويه محتفل ، و لا يحيط بعلمه إلا مانحه ذلك و مفضله به ، لا إله غيره ، إلى ما أعد له في الدار الآخرة من منازل الكرامة ، و درجات القدس ، و مراتب السعادة و الحسنى و الزيادة التي تقف دونها العقول و يحار دون أدانيها الوهم .
في تفصيل هذه الخصال المحمودة : صفاته الجسمية
إن قلت أكرمك الله : لا خفاء على القطع بالجملة أنه صلى الله عليه و سلم أعلى الناس قدراً ، و أعظمهم محلاً ، و أكملهم محاسن و فضلاً ، و قد ذهب في تفاصيل خصال الكمال مذهباً جميلاً شوقني إلى أن أقف عليها من أوصافه صلى الله عليه و سلم تفصيلا . . . فاعلم نور الله قلبي و قلبك ، و ضاعف في هذا النبي الكريم حبي و حبك ـ أنك إذا نظرت إلى خصال الكمال التي هي غير مكتسبة في جبلة الخلقة و جدته حائزاً لجميعها ، محيطاً بشتات محاسنها دون خلاف بين نقله الأخبار لذلك ، بل قد بلغ بعضها مبلغ القطع . أما الصورة و جمالها ، و تناسب أعضائه في حسنها ، فقد جاءت الآثار الصحيحة و المشهورة الكثيرة بذلك ، من حديث علي ، و أنس بن مالك ، و أبي هريرة ، و البراء بن عذب ، و عائشة أم المؤمنين ،و ابن أبي هالة ،و أبي جحيفة ، وجابر بن سمرة ، و أم معبد ، و ابن عباس ، و معرض بن معيقيب ، و أبي الطفيل ، و العداء بن خالد ، و خريم بن فاتك ، و حكيم بن حزام ، و غيرهم ، من أنه صلى الله عليه و سلم كان أزهر اللون ، أدعج ، أنجل ، أشكل ، أهدب الأشفار ، أبلج ، أزج ، أقنى ، أفلج ، مدور ال وجه ، واسع الجبي ، كث اللحية تملأ صدره ، سواء البطن و الصدر ، واسع الصدر ، عظيم المنكبين ، ضخم العظام ، عبل العضضين و الذراعين و الأسافل ، رحب الكفين و القدمين ، سائل الأطراف ، أنور المتجرد ، دقيق المسربة ، ربعة القد ، ليس بالطويل البائن ، و لا بالقصير المتردد ، مع ذلك فلم يكن يماشيه أحد ينسب الى الطول إلا طاله صلى الله عليه و سلم رجل الشعر ، إذا افتر ضاحكاً افتر عن مثل سنا البرق ، و عن مثل حب الغمام ، إذا تكلم رئى كالنور يخرج من ثناياه ، أحسن الناس عنقاً ، ليس بمعطهم و لا مكلثم ، متماسك البدن ، ضرب اللحم . قال البراء بن عاذب : مارأيت من ذي لمه في حلة حمراء أحسن من رسول صلى الله عليه و سلم .
و قال أبو هريرة رضي الله عنه : [ مارأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه و سلم ، كأن الشمس تجري في وجهه ، و إذا ضحك يتلألأ في الجدر ] .
و قال جابر بن سمرة ـ و قال له رجل : كان و جهه صلى الله عليه و سلم مثل السيف ؟ فقال : [ لا ، بل مثل الشمس و القمر . و كان مستديراً] .
و قالت أم معبد ـ في بعض ما وصفته به ـ : [ أجمل الناس من بعيد ، و أحلاه و أحسنه من قريب ] [ صلى الله عليه و سلم تسليمًا كلما ذكره الذاكرون ، و غفل عن ذكره الغافلون ] . و في حديث ابن أبي هالة : [ يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر ] . و قال علي رضي الله عنه في آخر و صفة له : [ من رآه بديهة هابه ، و من خالطه معرفة أحبه ، يقول ناعته : لم أر قبله و لا بعده مثله صلى الله عليه و سلم ] . و الأحاديث في بسط صفته مشهورة كثيرة ، فلا نطول بسردها . و قد اختصرنا في و صفه نكت ما جاء فيها ، و جملة مما فيه الكفاية في القصد إلى المطلوب ، و ختمنا هذه الفصول بحديث جامع لذلك تقف عليه هناك إن شاء الله .