“إنهم يريدون خلق جيل من الضباع”.. صرخة شهيرة، ونداء استغاثة أطلقه السوسيولوجي المغربي الراحل محمد جسوس في إحدى محاضراته وهو ينذر بمآل المدرسة المغربية المقبلة على الهلاك..
لم يعترض بال جسوس حينها سوى سياسات تعليمية فاقدة للبوصلة، ومناهج هجينة مفرغة من كل قيمة ومعنى. لكن.. ماذا عساه يقول اليوم وقد شرعت أبواب مدارسنا وجامعاتنا أمام خطر أعظم وأشد شرا.!؟
قبل سنة من الآن، تسارعت وتيرة “التطبيع العلني” مع الكيان الصهيوني الغاصب، واستباحت حرمات لم تطأها من قبل.
فبرز للعلن الحديث عن “مكون عبري” في مقرراتنا التعليمية، وأعلنت الشراكات بين جامعات ومعاهد مغربية و جامعات صهيونية تستقر بأرض فلسطين المغتصبة، بالموازاة مع تنظيم أنشطة وندوات تفتل في حبل الإفساد الذي يراد به أن يلف عنق شباب هذا البلد.
تعرف الجامعة بكونها محيطا تتفاعل فيه ثلاثة أطراف تساهم في بلورة العملية التعليمية والتربوية: الأساتذة و الطلبة و الإدارة. و تتخذ البحث العلمي مثلا أعلى في حمايتها للقيم الاجتماعية، وترسيخ دعائم النظام الاجتماعي. بهذا المنظور الذي يصور لنا الجامعة في شموليتها، ويضعنا أمام أدوارها المرجوة ( حماية القيم الاجتماعية، ترسيخ دعائم النظام الاجتماعي..) يصبح من الواجب أن نعد قضية الجامعة المغربية قضية أمن قومي يتوجب علينا الدفاع عنه. و قد حذر العقلاء أول ما حذروا من خطر التطبيع، إنه خطر استراتيجي يهدد النسيج المجتمعي لبلادنا، و قيمنا الأخلاقية والاجتماعية.
إن طبيعة الكيان الصهيوني، بما هو نظام عنصري، قام أول ما قام على اغتصاب الأرض، وجعل من النزعات الطائفية والنعرات العرقية والقبلية أساسا لقيامه، لن يجد موطئ قدم طبيعي بين الدول والشعوب، وهذا ما يجعله يعمل وبقوة على جر هذه الأخيرة، إلى التطبيع مع غير الطبيعي ويسخر لذلك كل الوسائل الآليات ما علمنا منها و ما لم نعلم..
هكذا تبرز الجامعة باعتبارها صانعة للوعي، ومؤسسة تتخرج منها آلاف الأطر المستقبلية، وهو ما يمثل خزانا مهما من النخب المستهدفة بالاختراق الصهيوني..
إن هذا الاستهداف المباشر والمكثف للمؤسسات التعليمية، خصوصا الجامعية منها، يعظم خطره بعظم انعكاساته. و استهدافها بمشروع التطبيع، ليس إلا حلقة من حلقات إفساد الوعي والتاريخ، وتزوير حقائقه، و محاولة خلق نخب هجينة على المقاس، تنشر الرواية الصهيونية وتكذب على الناس وتزييف وعيهم.
عودا على بدء؛ إن أي حديث عن مزاعم شراكات طلابية مع “طلبة” الكيان الصهيوني هو مشاركة لهم في جرائمهم، وتستر على واقع أن هؤلاء الطلبة المزعومين ما هم إلا قتلة ملطخة أياديهم بدماء الأطفال والنساء.
و ختاما؛ لم تكن الجامعة المغربية مجرد مؤسسة عصية على الاختراق الصهيوني وحسب، بل كانت منارة كاشفة لكل أنواع ذلك الاختراق، وفاضحة لزيف دفوعاته.. لهذا جعل مدبروا المشروع التطبيعي أمر استهدافها من أول الألولويات. و هذا ما يؤكد بالملموس أن كل حركة وفعل له من التأثير نصيب على أرض الواقع، وإلا.. فلِمَ الاستهداف؟ بالطبع، إنه استهداف من أجل خلق جيل من الضباع!