إنني بذرة من هذا الوطن!
استغربت من عدد قوى الأمن التي عُجَّتْ بها مدينة الرباط، حيث تغطت المدينة سوادا وظلاما وظلما، خيل إلي في بادئ الأمر أننا في حرب لتحرير أراضينا المحتلة سبتة ومليلية وغيرها، أو أننا في حرب ضد الكيان الصهيوني الغاصب، حتى صدمت بأن ذاك العدد الهائل من قوى القمع أحضرت لتفريق مسيرة للأساتذة المتعاقدين.
لم أكن أتخيل حجم الكره والخبت الذي يحمله المخزن لفلذات أكباده، حيث قُطعت الطرق وأُبعد البشر وأحضرت العديد من قوى القمع باختلاف ألوانها وأشكالها ومعداتها القمعية فطُوق الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد من الكل الجهات، للإستفراد بهم كأنهم خراف قاصية، وكأن المخزن ضباع جائعة، استعملت العصي والهراوات والأيادي والأرجل، وخراطيم المياه، صفعوا، ركلوا، جبحوا، نكلوا، لا لشيء إلا لمطالبتهم بالإدماج في القانون الأساسي لوزارة التربية الوطنية.
حج إلى مدينة الرباط الآلاف من الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، فاكتست المدينة بياضا، فأزالت سواد الظلم وظلام القمع، خرج الأساتذة اليوم في 20 فبراير 2019 في ذكرى 20 فبراير التي مر عليها 8 سنوات، كانوا بها في 2011 أطفالا، وهاهم اليوم بعد مرور 8 سنوات أصبحوا رجالا. خرجوا ليؤكدوا أن صدى شعارات الحرية، الكرامة والعدالة الاجتماعية قد سكنت أرواحهم، وجاءت الذكرى لتعلن ميلاد جيل مناضلين جدد انضافوا لأعداد أخرى ولدت قبل هذا اليوم، خرجوا في هاته المسيرة والتي هي محطة نضالية تأتي تحت برنامج نضالي مُسطر من طرف التنسيقية الوطنية للأساتذة االمتعاقدين، خرجوا ليؤكدوا للمسؤولين وللرأي العام أن مطالبهم واضحة ومشروعة يتقدمها إسقاط التعاقد، والإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية.
انطلق الأساتذة المتعاقدين من أمام باب الرواح باتجاه مقر رئاسة الحكومة الذي يلازم القصر الملكي بالعاصمة الرباط، حاولت قوى القمع منعهم من الوصول إلى باب السفراء فاستعملت جميع أنواع وأساليب القمع لثنيهم عن ما أرادوا.
في نظرة فاحصة لأعين قوى القمع وللأساتذة المتظاهرين، تبين لي حجم الإختلاف، ظهر لي حجم التباين، ظهر القهر والخوف وقيلة الحيلة في أعين الجلادين، ظهر ذلك جليا في نظراتهم وحركاتهم، وفي تحركاته، وظهر لي حجم الشجاعة والإصرار والقوة في أعين المتظاهرين، في الشعارات التي يحملونها وفي أصواتهم، في تحديهم للمخزن.
يا أيها المخزن إنني بذرة من هذا الوطن، أنا الأستاذ الذي يسقط على عاتقه بناء أجيال ستبني هذا الوطن،أنا ربان سفينة التقدم والتطور، أنا الذي يضع حجر الأساس لتطور الوطن ثقافياً وفكرياً وعلمياً واجتماعياً، اليوم قتلت كرامة الأستاذ ودست على مكانة المعلم ورفست هيبته،
- أسأل المخزن لماذا تضيع طاقتنا في قمعنا؟ لقد كان من الأولى أن ترشدنا لإستثمار هذه الطاقة في بناء هذا الوطن.
الطالب عبد العالي لمباركي