شباب كسرت إرادته بفعل فاعل، و أهدرت كرامته بنقمة ناقم، شباب تائه حيران في عالم موار بضغط الواقع وقتامة الحاضر، شباب غير متوقع لما يمكن أن يقع له في مستقبله، شباب يتخبط في ظلمات البطالة والعطالة، تائه في دروب الملل، شهادات ورقية لم تزده شيئا سوى أنها سلبت من عمره سنوات عادت عليه حسرة وندامة في وطن يحترف مسؤولوه صناعة الكآبة والملل، فأضحى شبابنا يعلق فشله على كل من هب ودب، إنه وطن “الهروب الكبير” وكفى.
إن فكرة الهروب من الواقع المخزي المرير، فكرة صنعتها أيادي عابثة بكرامة الشباب وسط غياب عدالة اجتماعية واقتصادية تضمن للشباب حقوقهم، تشجعهم على الصمود والصعود لقمم الانجاز وبلوغ الغايات. أضحى الشباب في سبات عميق يواصل الليل بالنهار فرارا من حال مفزع يبعث على القرف، تغاضى أسئلة عائلته التي تنتظر بفارغ الصبر نمو بذرة تعود بعائدات مثمرة يعم خراجها الأصل والفرع والجوار، لكن سرعان ما تتكسر هاته الأماني المعسولة على صخرة وطن تخلى عن أبنائه بفعل أيادي خائنة حرفتها المتاجرة في الذمم ومستقبل شباب هم عدة وعمدة المستقبل.
ها هو الشاب على أبواب الثلاثين ما زال يكابد هم الحصول على دريهمات تسد فاقته وتلبي حاجياته الاساسية، رصيد لهاتفه المحمول وأخرى لتغطية مصاريف فناجين القهوة التي تنسيه مرارة الأيام المعتقة بنقاشات مسفسطة، وضع جاء بعد سنين من البحث عن عمل بسيط يسد حاجياته البسيطة من أجل إكمال مشواره الدراسي في أحسن الأحوال، فإذا به يصطدم بواقع “الخيانة والخيبة”، خيب آماله وحطم حلمه الذي نسجه في خياله على وسادة نومه وسط ظلام دامس، يمني نفسه بفلق صبح مبشر، يكتب وسط هذا الخيال بعد ان يستفيق منها مصدوما مشدوها يرتل مضامين خطاب فيه كلمات لوم وعتاب… أهكذا يا وطني؟ أهذا ما سمعته عنك؟.
سمعت بأن الوطن أم تحضن ابناءها وتصونهم من الضياع، ولكنك أنت كنت أول من تركني في العراء، جرفت بي الرياح الجارحة على أهواءها، رمتني في مستنقعات الضياع.
سمعت أن حبك من الإيمان وقد افنيت عمري لبلوغ حبك، لكن حبي لك لم يزدك إلا فرارا.
لماذا هكذا ؟
لماذا نصرت الظالمين وقهرت المظلومين؟ لماذا همشت كلمة الحق واعليت كلمة الباطل؟ لماذا سلبت مني أبسط حقوقي؟
همشت تعليمي، اهنت استاذي، عبثت بجامعتي، جعلتني اغوص في بحار الموت بحثا عن حياة تليق بإنسانيتي، غوص يؤدي بي إلى الهلاك في منتصف الطريق، وضعت يدك في يد العدو لتحطيمي، كل هذه الخروقات في حقي لم تمنعني من كتم صوتي، حتى وإن حاولت البوح يوما بما يؤلمني أمرت بقمعي و سجني وسلب حريتي، وإهدار كرامتي… هكذا إذن!!!
وطني حبيبي، أعلم أنك أسير سماسرة اختاروا نهب ما فيك وحرصوا على زيادة بغضي لك، لكني أقف أيها الغالي على شاطئ الأمل والوفاء، قائلا:
ألا يا وطني، مهما ليل ظلمك طال، لا بد لفجر الحرية من بزوغ، وما دام حاذينا اليقين والأمل فيوما ما سترتفع صرخات الحق مميتة صوت عجز الاستبداد.
ستعلو راية النصر محلقة في السماء، فرحة مستبشرة بساعة الفرج، ستتكلم حناجر الشعوب مدوية بأعلى صوت: “تحررنا”.
ختاما، أزف لك بشرى أيها الوطن العزيز، جيل التغيير قادم وسط قتامة الوضع وسفاهة الواقع، لكنه يكتمل راشدا وينمو ويترعرع في أحضان أمينة، جيل سيعيد كرامتك الضائعة و حريتك المسلوبة، يعيد بسمتك على ثغرك المحتضن لكل أبنائه، جيل يشفي غليل الأجيال السابقة يقابل أفضالهم بفضل، جيل لا يعطي الدنية من نفسه حتى يسترد كرامة الأرواح التي ضحت بدمائها من اجل تحقيق العدل فيك.
جيل يقول للطغمة الحاكمة انتهت مرحلتكم وبارت تجارتكم وفشلت خططكم في اغتيال أحلامنا وآمالنا، فالوطن حب لا يقبل مشاركة العابثين، فلترحلوا أبد الآبدين فما عدنا نخشى العابثين.