شاءت الأقدار الإلاهية أن نعيش في حصار بهدف حفظ الإنسانية المشتركة من الاندثار إزاء وباء كورونا، ولكن طبيعة الحصار هذه ليست ما سأتكلم عنها. ولكن سأتحدث عن حصار آخر …
إنه حصار شعب بأكمله لسنوات، تختلف الأحداث، ويختلف المكان والزمان وكذلك الهدف، وتختلف كذلك المعاناة، فهذا الحصار هدفه اجتثاث شعب من أرضه و هويته العربية و الإسلامية، إنه حصار لشعب بأبشع الصور والأشكال ( اقتصاديا، سياسيا، إعلاميا،…)، حصار يهدف إلى محو تاريخ أمة و دام لعشرات السنين . لكن المفرح للمناصرين للقضية الفلسطينية و المفجع للمطبعين و الصهاينة أن للشعب يقين مطلق في موعود الله ،و أنه سبحانه و تعالى مع المستضعفين و بالتالي المظلومين، لذا تراه يقاوم بكل ما أوتي من قوة هذه الجرثومة الصهيونية الاحتلالية ( شعب مختار- أقلية صهيونية- حقوق مطلقة) عبر سلسلة من المعارك الجسام التي يرتقي فيها عشرات الشهداء.
ويتزامن حصار كورونا مع حصار غزة و يوم الأرض ”30 مارس”، الذي يخلده الشعب الفلسطيني ومعه كل أحرار العالم، دفاعا عن حقوقه المغتصبة ورفضا لكل القوانين التي سنها الصهاينة لتهجير الفلسطينيين ( قانون أملاك الغائبين على سبيل الذكر..)، ودفاعا عن الأرض والأقصى المبارك. نعيش هذه الأيام ذكرى يوم تاريخي بالنسبة لنا و بالنسبة للأمة الإسلامية و العربية جمعاء، إنه بالفعل يوم للذكرى و العبرة حيث عبَّر فيه الشعب الفلسطيني عن غضبه وسخطه اتجاه مزاعم الكيان الصهيونى، و ضمنه كذلك رسالة واضحة لكل الأنظمة العربية التي تلتزم بدوام الصمت والتطبيع والخيانة. ما يمكن استخلاصه من نضالات الشعب الفلسطيني، انه رغم تكالب القريب قبل البعيد، و طول الإنتظار و رغم كل محاولات التهويد و الصهينة، لا يزال صامدا مناضلا و انه القدوة ومنبع الثورة.
فالقضية الفلسطينية قضية مصيرية تلخص واقع الأقطار العربية والهيمنة الإمبريالية عليها، ما يستدعي تكثيف الجهود لتحقيق التغيير المنشود. إنها ذكرى تلخص صمود شعب وسط حصار فرض عليه لعشرات السنين، شعب قاوم وباء وجرثومة الإستيطان، و لا زال يقاوم. فهل تسألنا ذات مرة كيف يعيش هذا الشعب حياته الاجتماعية… في ظروف المقاومة والحصار؟ وهل سيكون الحصار الذي فرضته علينا الأقدار الإلاهية فرصة لنا بأن نحس بمعانات الشعب الفلسطيني ؟