شهد الملعب الشرفي بوجدة عشية أمس الأربعاء 20 فبراير2019 لقاء كرويا جمع بين فريقي “نهضة بركان” و”مولودية وجدة”، وهي أول مقابلة احتضنها الملعب الجديد بعد افتتاحه. لكن للأسف بدت ملامح الشغب تخيم عليه مبكرا.
انتهت المعركة، كل شيء كان يقول إن هذا هو الوصف الصحيح لها.
في الظروف الطبيعية هي مباراة في كرة القدم تجمع بين فريقين كبيرين يمثلان الرياضة بالمنطقة الشرقية أحسن تمثيل في إطار البطولة الوطنية.
على أرض الملعب وجد الأحد عشر لاعبا من كل فريق أنفسهم أمام مهمة تاريخية عليهم أن يستفرغوا جهدهم لتلبية رغبات الجمهور المحبط بسبب مرارت الهزائم السياسية والاقتصادية والتنموية. ففي غياب الانتصارات الكبرى لا تملك الدولة المغربية غير المراهنة على الانتصارات الصغيرة.. ودائما ما سارعت الدولة وجامعتها الملكية إلى إيداع النصر في ميزان حسناتها السياسية، أما إذا حصلت الهزيمة، فاللاعبون ومدربهم من يتحمل المسؤولية.
ينتصر فريق “مولودية وجدة” على فريق “نهضة بركان” فينسى المواطن الوجدي ومشجعو الفريق همومهم. لكن ما أوشكت المباراة على الانتهاء حتى بدأت تخيم على الملعب الوجدي ملامح وظلال حرب “داحس والغبراء”.
عبس وذبيان أو “نهضة بركان” و”مولودية وجدة” تستعيدان وقائع حرب رياضية أخرى جرت في العصر الجاهلي اسمها “داحس والغبراء”. استمر فيها القتال أربعين عاما بسبب خسارة قبيلة عبس أمام قبيلة ذبيان في سباق المسافات الطويلة للخيول. إنه التاريخ يعيد ذكرياته الحارقة المريرة.
حين انتهاء المباراة التي جمعت الفريقين، في الظروف الطبيعية، كان من الممكن لكل شيء أن ينتهي هنا، وكان بالإمكان أن تكون هذه المباراة عرسا رياضيا جهويا، لكن ولأن المشهد كله قادم من اختناقات السياسة، وإرهاقات الوضع الاقتصادي القاتم، فقد حدث ما هو غير طبيعي. شغب وعنف، ورشق بالحجارة، وتخريب للملعب، وتكسير للتجهيزات، وإحراق للكراسي…
قلت في نفسي، ربما حدث هذا كله في الوقت الذي كانت فيه أجهزة قوات الأمن المغربية الباسلة تتصدى لأعداء الوطن أثناء محاولتهم سرقة خيرات البلاد وتهريبها لبنوك بنما وسويسرا. لكن خاب ظني، والأمر في حقيقته ليس كذلك، إنما حدث ذلك كله في وقت كانت أجهزة قوات الأمن المغربية منهمكة في تكسير وتهشيم جماجم الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد والأطر المعتقلة في زنزانة السلم التاسع الذين حجوا إلى العاصمة الرباط احتجاجا على أوضاعهم المزرية ومطالبين بإدماجهم في أسلاك في الوظيفة العمومية ومعبرين عن استيائهم من الكيل بمكيالين في قضايا التقاعد والترقيات والتوظيفات والإعفاءات والترسيبات..
إن هذا النشاط الرياضي الذي تريده الدولة وجامعتها الملكية أن يكون عابرا فوق مرارات السياسة قد تعرض لامتحان قاس في البطولة التي جمعت الفريقين عشية أمس.
رغم خسارة فريق “النهضة” وفوز فريق “المولودية” إلا أن الفريقين وبفعل بعض المحسوبين على مشجعيهما خسرا في مضمار الأخلاق، فقد تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي لقطات تمثل نموذجا لما يمكن أن تنتهي إليه المجتمعات حين تقع ضحية لسيطرة ثقافة الكراهية التي ما فتئت الدولة تزرعها بين المشجعين في كل حين، الشغب والرشق بالحجارة وتخريب الملعب، وإحراق للكراسي بيان وأي بيان في ذلك.
إن فريقي النهضة والمولودية فريقان عريقان لا يجادل في ذلك أحد ، ونتمنى لهما مسيرة موفقة في المضمار الرياضي وطنيا وقاريّا .. غير أن الرياضة ومحيطها لا يمكن عزلها عن الوضع المعيشي القاتم الذي يخيم على الشباب المحب للفريقين.
لحسن عيا، باحث بسلك الدكتوراه، جامعة محمد الأول ، وجدة