القانون الإطار.. من إطار ورقته البيضاء إلى إطار واقعنا الأسود
مشروع القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية و التكوين و البحث العلمي المستند -كما تنص ديباجته- إلى الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 هو محاولة إصلاح متشعبة عن محاولة سابقة انتهت صلاحيتها قبل أن تبدأ، تماما كما حصل مع سالفاتها. يثبت التاريخ القريب أن كل محاولات الإصلاح مآلها الفشل ما دامت منظومة التعليم مجال استثمار و ساحة صراع سياسي.و يؤكد كل ذلك التصريح الملكي الأخير المقر بفشل المشاريع التنموية، من مشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين إلى المخطط الاستعجالي، ثم قريبا يرث الفشل خليفتهم مشروع القانون الإطار.
توقفنا عند هذا الحد كاف للبرهنة على فشل المشروع المؤكد، لكن زحفه على ما لم يجترئ عليه سابقوه من حقوق يحتم علينا التعمق في خطوطه العريضة أكثر.
اول ما يلاحظه القارئ أن المشروع محدود في اطاره الورقي. لا مجال لإسقاطه على الواقع. مجرد كلمات فضفاضة تزين الصدمة و تمهد لها، مع ضبابية في الخطاب و تغيير دائم للأسماء تجنبا للملامة، و محاولة لإخفاء كل هذا بشرح مفاهيم بديهية سطحية في المادة 2.
ثم ان التذكير بأهداف المنظومة و مبادئها هو اضافة ملح لموضع الجرح. تتكرر الأهداف المتعلقة بترسيخ الوطنية في ذهن طالب كل آفاقه منسدة داخل وطنه. تتناقض المبادئ التي تقضي بتعميم التعليم مع النقطة الأهم في هذا المشروع التي تضرب مباشرة في مجانية التعليم. تشير التطلعات في عدة مناسبات لتحسين جودة التعليم، رغم أن ما نشهده من فواجع في المدارس والجامعات يتضاعف يوما بعد يوم، من انهيار سقف و تسمم طلبة و متاجرة بمقاعد دراسية و اغتصاب طالبات و سيادة عصابات داخل الحرم الجامعي.. كل هذا شهدناه منذ صدور هذه الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم التعليم إلى حدود يومنا هذا .
أول فقرة في المادة 6 تضع مسؤولية نجاح المشروع على الفاعلين الاقتصاديين و الاجتماعيين و الإعلاميين، بعدها تتكرر الإشارة لذلك في كثير من المواد. المستهجن في الأمر ليس تهرب الحكومة من مسؤولية مشروعها الخاص، بل تحميلها المسؤولية للفاعلين الاقتصاديين رغم تقارير مؤسسة الحكامة التي تفضح النسب المتدنية لمؤشرات التنمية في المغرب، ورغم واقع افلاس اكثر من ثمانية آلاف مقاولة خلال سنة 2018 ، بل و رغم احاطتهم علما بهيمنة الهولدينج الملكي على ثلثي اقتصاد المغرب، دون ذكر فاجعة تهريب الاموال لبنما و سويسرا. ثم تحميلها للفاعلين الإعلاميين رغم تعرية الإعلام المغربي من سلطته و تقييد حريته في سفاسف الأمور و قشورها، فلا تكاد تتصفح المستجدات حتى تجد الجرائد و البرامج تتسابق على كلمة اخطأ أحدهم في نطقها و خبر علاقة أحد المشاهير بمغربي(ة)، مغمضة عدساتها عن مأساة الشعب و معاناته، عن جرائم السلطة و احتجاج الشعب و اسر المظلومين. المستهجن هنا أن نكتب اسطرا براقة ونطالب بتطبيقها في واقع مظلم.
في المادة 19 ثم في عدة مواد اخرى تشير المذكرة لإلزامية التعليم على جميع الاطفال من جميع الأسر. يتضمن هذا القرار الأسر القاطنة بالجبال المنعزلة عن المجال الحضري، الاسر الفقيرة التي تمثل غالبية الشعب، الأسر المهددة بالبطالة، و حتى اسر المعتقلين السياسيين ظلما و عدوانا، كل هؤلاء الأطفال فرض عليهم التمدرس. و على عاتق الأسرة أو أي شخص مسؤول عن رعاية الطفل يقع إلزام تطبيق القانون -حسب نفس المادة-. و مع أن المواد المتبقية من هذا الباب تسطر اجراءات و حلولا شبه عملية فهي لا تخرج عن سياق الإجراءات التي تدندن بها المشاريع الإصلاحية منذ الأزل. وضعية التعليم الآن تبرهن مدى فاعليتها.
في الباب السادس يرد الحديث أخيرا عن الموارد البشرية و ضرورة توفير ما تحتاج المنظومة من أطر. خارج الإطار الورقي نجد في زمن ليس ببعيد ظهور موجة إعفاءات شملت بنسبة كبيرة أطر المنظومة التعليمية مع غياب مبرر، نشهد ترسيب عدد من الأساتذة المتدربين، مجددا دون عذر رسمي، والواقع أنهم كانوا من قادة الحراك الذي خاضته الاطر احتجاجا على عدم إدماجهم المباشر في وظائفهم كمدرسين . هنا نستحضر بين قوسين ما ذكرنا سابقا عن توظيف المنظومة التعليمية لأغراض سياسية.
ابتداء من المادة 41 إلى آخر الباب السابع، و استكمالا لمضمون المادة السادسة ، تعمل المذكرة على التمهيد للقرار المفجع الذي هز وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تؤكد هذه المواد دور المؤسسات الخاصة و الجمعيات و مسؤوليتها في إنجاح القانون، و ضرورة ابرامهم شراكات مع المؤسسات العمومية قصد تمويلها و تحسين جودتها، ليضرب الباب الثامن بقبضة من حديد تتجسد في عنوانه “تمويل منظومة التربية و التكوين و البحث العلمي”. هذا الباب هو قصف مباشر لمجانية التعليم. حيث تنص مواده بتكامل على إدراج رسوم تسجيل بالمؤسسات التعليمية العامة. ولا سيما بمؤسسات التعليم العالي. هذه القوانين طريقة غير مباشرة لإعلان خوصصة التعليم مع التهرب من محاولة اصلاحه، هنا الخط الأحمر، و هنا ندق المسمار الأخير في نعش التعليم بالمغرب.
استدراكا و تبريرا يؤكد الناطق الرسمي باسم الحكومة كما تنص المادة 48 أن الأمر سيتم بشكل تدريجي وسيستهدف الأسر الميسورة فقط. “ميسورة” مصطلح جميل في اللغة، يضيف للسطور نوعا من الرقي. لكنه خارج إطار الورقة و في إطار الواقع مفهوم شامل عام نسبي غير محدد لموصوفه. كلمة “ميسورة ” في إطار الواقع تقصد الطبقة المستحوذة على ثروة البلاد، هذه الطبقة لا تدمج أبناءها إلا في أفخم الجامعات الأوروبية و الأمريكية. لن تجد عائلة “ميسورة” تخضع أطفالها لمستوى التعليم المتدني بالمغرب، ناهيك عن دفع ثمن لأجل دراستهم فيه. اي أن الدور يمر إلى أبناء الطبقة الكادحة ليزيد حجم شبح الفقر الذي يطاردهم. هذا ما يحصل عندما تخرج الكلمات من اطارها الورقي، تصطدم بواقع أسود لا يقبل التعابير الخلابة.
و إن كان كل هذا لا يؤكد فشل المشروع المحتم فالباب التاسع و الاخير يضيف لمسته بتبشيرنا بلجان متابعة اخرى ستضاف للجان التي سبقتها، والتي تبرهن انعدام فائدتها بواقع أن النص كله لا يحتوي سطرا واحد لتقييم المشاريع السابقة و تبرير فشلها. فقط لجان متابعة أسست ثم لم نبصر لها اثرا.
خلاصة القول أن من الغباء تكرار تجربة بنفس الشروط و نفس الظروف مع توقع نتائج مختلفة. لا يختلف القانون الاطار عن سابقيه إلا في جرأته على اخر ما تبقى من حقوق ابناء وطننا الجريح.
دعاء الأحرش