تربية المرأة في المجتمع "وجهة نظر"
المرأة هذا الكيان الإنساني الذي خلق ليسكن إليها زوجها وبث منهما رجلا كثيرا ونساء، يعتبرها البعض نصف المجتمع، و البعض الآخر يقول بل هي المجتمع كله . ونحن إذا ما اعتبرناها نصف المجتمع فلأن البشرية تنقسم إلى ذكور و إناث، ومن هذا المنطق ربما ينطلق أصحاب هذا الرأي، أما وإن أردنا أن نقول أنها المجتمع كله، فلأنها هي من تتحمل عبء و معانات الوظيفة الإنجابية ،ثم تليها وظيفة ثانية لا تقل أهمية وعظما عن الأولى، وهي التربية.إذن فهي من يربي النصف الثاني من المجتمع ومن ثمة فإنها من يكون المبادئ و الأسس التربوية لدى النشء منذ البداية و هي من يسعى لبلورة أفكاره و توجيهها إما صوابا وإما غير ذلك، ليستنتج أصحاب الرأي الثاني أنها هي المجتمع كله.
تكون المرأة قبل أن تكون امرأة، في بادئ أمرها طفلة صبية تتلقى تربية أسرية من أبوين يرعيانها بتوفير كل ما تحتاجه من أساسيات في حياتها.تتلقى العطف والحنان والحب في جو مليء بالدفء الأسري و بين إخوتها. الوالدان يربيان على منهج قد تربيا هما عليه أو على غرار نموذج لتربية لأناس آخرين راقت لهما و أثارت اهتمامهما. تتعلم البنية كيف تتعامل مع إخوتها في البيت مالها وما عليها، ما المسموح به و ما الممنوع عنها، ثم وهي خارج البيت ما الضوابط التي يجب أن تتقيد بها وما السلوكات الواجب التحلي بها. كيف نعامل من هو في سننا و كيف نتصرف مع من هو أكبر منا سنا، للمعارف قدر لا نهملهم، و للغير احترام لا نقلله عنهم، إلى غير ذلك من السلوكات التي تكتسبها الصبية في هذه المرحلة.
وقد مضت أيام وبضع سنين لتجد الصبية نفسها شابة و أن ما كانت تفعله في صباها من مثل وقيم أخلاقية يجب عليها أن تستمر قي تمثله، لكن هذه المرة وفي هذه المرحلة تعتريها عقبات وتحديات. الرفيقات و الزميلات لا يتمثلن التربية التي تربتها هي، لتحتار في غالب الأحيان، هل يا ترى أنا التي تربيت التربية الصح؟ أم هن المحظوظات اللاتي نلن شرف التربية الحسنة ونلن الرفعة بتمثلهن إياها.
تربية إيمانية في كنف رباني أم على هوانا نتبع التيارات المغردة كل حين من هذه إلى هذه. تجد من شملتها الألطاف الربانية نفسها في حضن إيماني يكتنفها، تسعى فيه لنيل خيري الدنيا و الآخرة، مع جهادها الحثيث في أن يشمل رفيقاتها ما شملها من الخير. توقظ الواحدة منهن الأخريات من غفوات الغفلة ينير دربهن الوحي القرآني و الهدي النبوي من خلال تمثل أوامرهما واجتناب نواهيهما، يجدن في السنة النبوية شرحا مفصلا من خلال الأحاديث، مع استخلاص العبر و العظات من خلال القصص النبوي.
تلج الشابة المدارس و الفضاءات العمومية و بين زميلاتها في الدراسة و ولوج الأسواق، فتعاين بنفسها تباين تربيتها هي عن تربية الأخريات من جميع النواحي،لا القيم قيمها ولا الأخلاق أخلاقها حتى المعاملات شتان بين هذه وتلك، ما قد تعيبه هي قد يكون مقبولا عند أخرى و هكذا من الإختلافات الواردة في المجتمع. إن لم تتربى المسلمة على الذوق والثبات على القيم الراسخة قد تجد نفسها تائهة في مجتمع يعج بالبلوى في الأسواق و المدارس و الجامعات و غيرها. فهي ترى مثيلاتها يتتبعن الموضة تسير بهن تارة يمينا و أخرى شمالا. فحتى المؤمنات لم يسلمن من هذه التغيرات المتسارعة للموضة، فبدلا من اهتمامهن بالهدف الأسمى من الحجاب قد تجدهن مهتمات بالألوان الدارجة على الموضة هذا الفصل ،و ما التفصيلات الجديدة لهذا العام…إلخ
وقد وصلت حد النضج في مرحلة لاحقة من حياتها تجد الشاية ذاتها في سوق العمل مع زميلاتها وزملائها، تعمل كل ما في جهدها لتنجح في عملها بإصرار و عزيمة دون أن تزيل من بالها أنها ذات رسالة و وجب أن تؤديها.توصلها بتعاملها الراقي مع رفقاء العمل بسلوكها المتزن الذي لا إفراط فيه في الميل نحو الإنفتاح بشكل تام على اللأجانب وعلى غير جنسها من الرجال بدعوى التفتح و ضرورات العمل، وأن الزمان تغير ولم يعد زمان السابقين من آباءنا ويتطلب الإنفتاح. ولاتفريط إلى الدروشة و المسكنة و الإنزواء إلى ركن دون مخالطة الغير، وعدم التعبير عن الحاجيات و الإحتياجات، والمطالبة بالحقوق،فليكن كل ذلك في اتزان. والمؤمنة الحرة لا ترضى إضاعة حقها مهما كانت التداعيات و الظروف التي يتعذر بها الآخرون.
أمنا تلك التي نجدها في البيت و قد ربتنا و أعطتنا كل ما ملكت من عطف وحنان، من جاعت لنشبع من أصابها البرد لندفأ…أعطت الكثير ولازالت تعطي دون كلل ولا ملل. الإسلام يربي المرأة لتكون فاعلة في المجتمع في كل أدوارها ¬ أما و أختا و زوجة وجارة ورفيقة ،و زميلة العمل والدراسة وصديقة ومقربة أدوارا طلائعية، ولا يرضى لها القعود على الهامش فقد أنصفها في قسمة حقها في الميراث، و أمرها بالحفاظ على دينها ومالها ،وعفتها وعقلها ، والرقي في أعلى مدارج الإيمان بالعلم النافع لها في دينها و دنياها فهي إلى جانب الرجل تتعلم و تعلم ،تمتلك من الملكة ما للرجل في الفهم و التحليل و البذل بكل ما أوتيت من قوة – قوة من ضعف – ليست القوة البدنية وحدها من تحكم ، فكم من ضعف نال قصب السبق قبل قوة تمادت في التبجح بضخم عضلاتها. أريد لها في الإسلام أن تمتلك قوة الرأي في الحق و أن لا تحيد عن الصواب مهما بدا الأفق حالك الظلمة، أن تصمد في وجه الظلم و الظالمين ، لا يثنيها عن عزمها كيد المعتدين و لا توعد المستبدين. فهي في جهاد إلى جانب أخيها الرجل ،و أي جهاد تحت مظلة الإسلام و بضوابط إيمانية إحسانية فلا ضير أن جزاء ه عند المولى عظيم و العطاء جزيل . جهاد بمالها و إن قل ،بوقتها ولو على حساب أمورها الخاصة، بعلمها و إن قيل أنها ناقصة عقل ،براحتها لأنها ومن هي؟ تلك التي أيقنت أن الراحة راحة الأخرى لا الأولى.
و نحن نقرأ سير الصحابيات الجليلات نجد أن كلا منهن بذلت بما استطاعت ولم تبخل ،فنحن بنات زماننا وجب علينا الإقتداء بهن ،وكل من حسب مجالها ومستطاعها ، فنحن في جهاد ومجاهدة ،زمان يغلبنا تارة ونغلبه أخرى،ولكن نحن ومن نحن؟يكتنفنا الحضن الرباني رفقة صحبة دالة على الخير و إليه ،فما علينا إلا السعي الحثيث لنكون من زمرة من قال فيهم عز وجل “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر” ما أجلها من مهمة ، وقد عظمت ،حملها الأنبياء والرسل من قبل لتستمر مع زماننا و إلى أن تقوم الساعة ،عظم أهلها بعظم قدرها وهي أمر من الله الدعوة هم نتحملها لنبلغها ،ووعي بعظم شأنها ،و إرادة منا بالقيام لها و السعي لتأديتها على أكمل وجه ،أي تشريف هذا للمرأة أن تحمل رسالة الدعوة إلى الله في ظل إسلام جاء سلاما للبشرية جمعاء.
يقول الإمام المرشد رحمه الله :إنه جهاد مزدوج: حقوقك التي كفلها الشرع تنزعينها من تعسف الرجل وتتقدمين في العلم لكي لا يحتكر هو الإجتهاد ويميل به إلى سوء استعمال((درجته)) ،ثم واجباتك في صد العدوان على الدين مما يليك.
يشككن المارقات في الدين حين ينسبن إليه الحيف في نصيب المرأة في الميراث وفي تشطير ديتها.و يشككن في الدين إذ جعل شهادة رجل واحد تساوي شهادة امرأتين. فلا بد لك أيتها المؤمنة من التزود بآلة العلم ومن استعمال سلاح الحكمة لتشهدي بمواقفك الشجاعة أن الدين إن جعل شهادة المرأة الواحدة لا تقوم مقام شهادة الرجل فإنما ذلك لأن المرأة هي قطب الرحمة والحنان والسماحة، لا تحضر الخصومات، ولا تلتفت إلى مواطن المعارك الشخصية و النزاعات في الأسواق.
تشهدين بمواقفك الشجاعة ، و بقيامك بواجب الجهاد،أن المعارك الأساسية المصيرية لم تغب عنها الصالحات من الصحابيات،بل كن في الجيش الإحتياطي مستعدات مشاركات،وكذلك أنت مما يليك من بنات جنسك الأميات القاعدات تعلمينهن وتجندينهن ،و من بنات جنسك المارقات تدحضين أطروحاتهن. أو يهدي الله من يشاء إلى صراط مستقيم.
لك ضمان من الشريعة في حق كرامتك الإنسانية، وحقك في التصرف في أموالك، وحقك في العمل و الكسب إن ألجأتك الضرورة. لك من الشريعة كل الحقوق اللازمة لأداء مهمتك الإجتماعية الأساسية، و ما نقص أو زاد من أحكام خصت الرجل أو استثنت المرأة فإنما هو توزيع عمل،و تخصص.ليس ذلك مهانة على الإسلام ولا إهانة منه. 1
1تنوير المؤمنات ج 1ص 163.164
بقلم مينة النسيوي.