نعيش هذه الأيام مناسبة الدخول الجامعي أو كما يلقبه الطلبة أيام استقبال الطالب الجديد، التي تعد تقليدا سنويا يكرر كل سنة، حيث يتقاطر الطلبة من كل فج سعيا للتسجيل في جامعة من الجامعات المغربية لاستكمال فصول دراسته، وتحقيق طموح الآباء في رؤية أبناءهم أطرا واعدة.
الحماس والشوق الكبير يغمران التلميذ الذي نال شهادة الباكالوريا وتبدأ رحلته مع لقب “طالب” فيتبادر إلى ذهنه المعاملة الحسنة والمتحضرة التي ستعامله به الإدارة أو الدولة بشكل عام. فيأتي هذا التلميذ الذي أضحى طالبا إلى الجامعة فيبصر في باب الكلية إعلانات مختلفة عن ثانويته السابقة، أقسام مختلفة، شعب متنوعة، وإدارة ” مجهزة” على بابها حارس لا يبتسم إلا لمستخدميه. يدخل الطالب ويسأل عن الكيفية ومكان التسجيل، عندما يجد ضالته يجد موظفا ( ليس عموما) مقطب الوجه لا يرد حتى التحية، مهمته ديناميكية تتلخص في امساك ملف التسجيل ومعاينة المعلومات الشخصية عبر الحاسوب الخاص، ويسلم للطالب وصل تسجيله. هذه في حالة أن الأمور تسير على ما يرام، أما في حالة أن الطالب نسي وثيقة أو استفسر عن أمر حتى ترى كلمات الموظف تخرج متسارعة وتنتهي بطأطأة الرأس نفيا لترجي الطالب الذي أتى من بعيد بدون مأوى متجاهلا صوت بطنه المتألم من الجوع، وإن أراد الموظف التخلص من اصراره يرشده إلى العمادة – في حالة وجد العميد- وفي أعماق ذهنه يقين أن الطالب لن يحقق مبتغاه وسيعود أدراج الرياح، هنا تسقط تلك النظرة المحترمة للجامعة ” منبت الجيل الحامل لمشعل التقدم”، يتلقى صفعة تنسيه تلك الأحلام الوردية التي سمعها في التلفاز حول جودة التعليم بالمغرب. إلى أين؟ وكيف؟ ولماذا؟ أسئلة تحوم في ذهنه، وكيف سيبرر حماسه في ولوج الجامعة؟.
كل هذه الأحداث المتسلسلة متعلقة بالطالب المؤمن بالعلم وفضله المتمسك بأول آية نزلت في القرآن ” اقرأ باسم ربك الذي خلق” سورة القلم الآية 1، والذي وصل إلى مرحلة الجامعة، مقارنة بالتلميذ الذي فقد الثقة في التعليم منذ الصغر إما انقطع عن الدراسة أو واصل بمشقة متنقلا بين الأقسام حتى وصل إلى الجامعة، أول سؤال يسأله هل الحضور للحصص اجباري؟، فإن أجيب بالنفي، يشرع هذا الأخير في اختيار و تقليب الشعب في ذهنه كما تقلب الخضر. إن سألته عن حاله ومستقبله تظهر ابتسامة يائسة من حال التعليم ويقول باللفظ العامي ” ماكاين مايدار” أي ليس هناك بديل للجامعة، فالمعاهد والمدارس الكبرى مخصصة لذوي النفوذ لا غير.
أتمنا في قرار نفسي إلى حدود كتابة هذه الأسطر أن يكون هذا حلما، وأستيقظ منه فتجد كل شيئ في موضعه الصائب، لكن أخشى أنه الواقع المرير الذي يعد سياسة ممنهجة من طرف الدولة حول قضية اصلاح التعليم، تتوالى الحكومات وكلها عاجزة عن إصلاح ما يمكن اصلاحه، كل مايتغير هو النظم التعليمية الفاشلة الناتجة عن التبعية للنظم التعليمية الفرنسية، فيعتبر الطالب أو التلميذ فأر تجارب لذلك.
نريد تعليما حقيقيا مزين بالأخلاق السامية يجعل للجامعة مكانة قيادية تزيل عن الشعب المغربي تعويذة التخلف وترفعه إلى مراكز الدول المتقدمة التي أعطت للتعليم والصحة المراتب الأولى من اهتماماتها. فالعلم أساس المجد والعزة وما كان للجهل أن يسود ويعلو، وهذا كلام سيدنا علي رضي الله عنه مكتوب بماء من ذهب خير ما نختم به ” ما الفضل لأهل العلم إنهم…على الهدى لمن استهدى أدلاء، وقيمة المرء ما قد كان يحسنه…والجاهلون لأهل العلم أعداء، فقم بعلم ولا تطلب به بدلا…فالناس موتى وأهل العلم أحياء”.
بقلم الطالب: يونس عكى