انطلقت في السابع من أكتوبر عملية طوفان الأقصى، وانطلق معها مشهد جديد عمّ كل قنوات الإعلام والصحف العالمية، وحرك في الميدان شعوباً وفئات مجتمعية متعددة، ولا يمكن حصر تأثيره في مجال واحد أو في بلد واحد، لقد انتشر الطوفان في كل أرجاء الدنيا وكشف المستور من نوايا وأقوال وأفعال، وأصبح المشهد واضحا للجميع ما عدا الذين هم عن الحق صمٌ بكمٌ عميٌ، والذين هم في الباطل غارقون.
❖ إزالةً للغبش
ارتفع صوت الطلبة مع ارتفاع صوت الحق، وهو صوتٌ دائما ما تقدم أولاً؛ كيف لا؟ والطلبة هم محرك التغيير في العالم، والتاريخ خير شاهد ودليل، ارتفع هذه المرة صوتُ طلبة أمريكا من جامعة كولومبيا وتلاه صوت عدة جامعات في أمريكا، حيث تعددت أشكال الإبداع والقمع معاً، لكن فضلا عن التضامن الملهم الذي قام به طلبة أمريكا من نصب للخيام في الجامعات ومن أشكال تعبيرية متعددة وغيرها، فإننا نقصد هاهنا بارتفاع الصوت ما كان من تغطية إعلامية قوية، وتضامن سياسي وحقوقي ومجتمعي واسع ومؤثر، وهذه الإشارة ليست من محض الصدفة، وهي ما سنجيب عنه بعد طرح السؤال الآتي: أين صوت الجامعات المغربية؟
السؤال المطروح لطالما سأله المتابع المغربي والعربي عامةً، فنحن الأولى بدعم فلسطين من الأمريكيين، لكن السؤال يخفي وراءه إشارات مهمة يجب معرفتها أولاً؛ يمكن تحديد بعضها فيما يلي:
* خوف الأساتذة والكوادر الجامعية من رفع صوتها في ظل التطبيع الرسمي بين المغرب والكيان الصهيوني الذي شمل الجامعات المغربية أيضا.
* القمع الممنهج الذي يتعرض له طلبة المغرب، ودليل ذلك القمع والمنع الذي طال ملتقى القدس في نسخته السادسة بجامعة عبد المالك السعدي، حيث أغلقت السلطات الجامعة لخمسة أيام.
* تحول الجامعة المغربية إلى أداة بيد المخزن المغربي؛ إذ إن رؤساء الجامعات المغربية يمتثلون لقرارات السلطات الفوقية، وخير دليل الخروقات والانتهاكات الجسيمة في حق الطلبة والطالبات والجامعات المغربية خلال فعاليات الملتقى الوطني الطلابي السابع عشر بالدار البيضاء.
ولا جرم أن هذا يُفضي بنا إلى القول: إن صدى صوت طلبة المغرب لن يبلغ مداه كما بلغ صوت طلبة أمريكا، في ظل الوضع السياسي والإعلامي الوطني الرسمي الذي يسير على خطى التطبيع، وأمام واقع تبعية الجامعة المغربية إلى “الجهات العليا”، لكن رغم ذلك كله أبى مناضلو الاتحاد الوطني لطلبة المغرب إلا أن يكونوا على قدر الموقف وشدته، رجالاً على الحق صامدين، وعلى العهد ثابتين، طلبةً لم يطبعوا ولن يطبعوا فداء لأرض المسجد الأقصى وفلسطين، ليرسموا بذلك لوحة من النضال والصمود يمكن اعتبارها أفضل لوحة انبثقت من رحم النضال الطلابي المغربي اليوم، ويكفي أن ننظر إلى الفعاليات والأنشطة التي قارعت أرقامها العالمية، ومع ذلك فإنها لم تُوَف حق أهلنا في فلسطين.
❖ الحقيقة في أرقام
«إضراب بجامعات المغرب.. وآلاف الطلاب يتظاهرون تضامنا مع غزة ولبنان»، هكذا عبر المركز الفلسطيني للإعلام في مقال نُشر له يوم الأربعاء 9 أكتوبر 2024 عن الإضراب الوطني الذي لبى نداءه طلبة المغرب من مختلف الجامعات، لكنه ليس النشاط الوحيد من نوعه؛ إذ وصل عدد الفعاليات والأنشطة التي نظمها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب حسب التقرير الذي أصدره إلى457 نشاطاً وفعالية طلابية، على المستوى المحلي والوطني والمركزي، وشملت 12 جامعة مغربية و40 مؤسسة جامعية، وذلك منذ 9 أكتوبر 2023 إلى 7 أكتوبر 2024، نعرضها كما يلي:
* 93 من الحلقات والوقفات الاحتجاجية؛
* 88 كلية شاركت في ثلاثة إضرابات وطنية؛
* 78 مسيرة احتجاجية في مختلف المؤسسات الجامعية؛
* 76 شكل تعبيري؛
* 73 من الأروقة والجولات التواصلية؛
* 40 نشاط مركزي متنوع؛
* 9 ندوات ومهرجانات.
إن هذا ما يَظهر للناظر المتفحص، وما عداه فإنما هو من قبيل الرائج من الأخبار التي تحتاج منا الوقوف معها والبحث فيها، خاصة أن الحقيقة تحتاج إلى هذا التدقيق وإطالة النظر، وكما قال إيليا أبو ماضي (1889-1957) في أبياته المشهورة:
«لَمّا سَأَلتُ عَنِ الحَقيقَةِ قيلَ لي
الحَقُّ ما اتَّفَقَ السَوادُ عَلَيه
فَعَجِبتُ كَيفَ ذَبَحتُ ثَورِي في الضُحى
وَالهِندُ ساجِدَةٌ هُناكَ لَدَيه»
وفي الختام، لا يسع المرء إلا أن يُقرّ بأن كل ما قام به طلبة المغرب، سواء في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب أو في باقي الفعاليات الطلابية المساندة لفلسطين، وفي مختلف الدول العربية والإسلامية إنما هو جهد المُقِل، وأن قضية فلسطين هي قضية كل إنسان حر وشريف، وهي قضية لن يتخلى عنها طلبة المغرب أو الشعب المغربي حتى تتحرر فلسطين، وقبلها أن تتحرر أوطاننا من التطبيع والصهيونية.