للمقبلين على الحياة الطلابية
تشكل المرحلة
الطلابية أسرع وأوسع وأعمق وأخصب مرحلة حياتية يمكن أن يمر منها الإنسان، هي لحظة
اكتمال القوة وبداية مرحلة الاستقلال والفطام الذي تعلن عن بداية مرحلة الرشد،
لهذا وعيا بأهمية وخطورة هذه المرحلة فيجب أخدها على محمل الجد لأنها غالبا ما
تحدد الكثير من معالم مستقبله الوظيفي والاجتماعي وحضوره المجتمعي ثم على جانبه
الذاتي بتطوير قدرات ومهارات ومعارف وعلاقات. قد يتساءل البعض لماذا هي مهمة
والجانب المادي غالبا ما يكون عائقا حيث الطالب لايمكن إلا ما يسد به جوعته وكراء
بيت صغير يستره بالليل بين زملائه حيث الاكتظاظ..! لكن هذا الشظف من العيش هو محفز
كبير لمن له همة وهامة، وبهذا يجب أن يكون مسؤولا، مسؤولا على ذلك المبلغ من المال
الذي يرسله له والده بعد شقاء يشقى به وعليه من أجل ان يدرس ابنه، مسؤولا عن وقته
حيث يجب أن يعمره بما يكوّن به شخصيته ويحصل على شهادته بامتياز وتفوق، مسؤولا عن
صحته حيث يجب أن يحفظها من آفة المخدرات والميوعة التي تنتشر في صفوف الطلبة
الكسالى. فمن مؤشرات الخذلان هو أن يستغل الطالب غياب رقابة والديه وعائلته ليباشر
فعل ما يندى له الجبين حيث يقضي جل أوقاته في السهر والتجوال غير المفيد مع رفقة سوء
تزين له عمل الشيطان. عندما نقول مثل هذا الكلام لا يفهم منه أنه انقطاع كلي عن
الترفيه واللعب بل الحياة الطلابية هي مرحلة نشاط وحيوية وترفيه، خصوصا عندما
تختار بعناية رفقة العشرة والسكن فهي معادلة حاسمة، لا تكون ملتقصا فقط بأهل بلداك
واصدقاؤك القدامي بل انفتح على روافد اخرى حتى تستفيد من التنوع الثقافي الذي
توفره الحياة الطلابية.
إن أول هم واهتمام في حياة الطالب هو طلب العلم والتفوق والتميز
الدراسي، يجب أن يكون الهدف الناظم لحياته، طلب العلم والتوسع فيه وليس فقط
الاقتصار على الحد الأدنى أي ما يضمن له النجاح، فمرمى ذوي الهمم العليا هو أن
يصبح مرجعا في تخصصا شامة بين أقرانه. فلا تكفيه محاضرات الأستاذ بعد هضمها بل
يتوسع في مراجع ومحاضرات ومناظرات وبحوث فردية وجماعية حيث يجب أن يبحث عمن ينافسه
في الباب و يبحث عمن يتوفق عليه ويعرف أكثر منه حتى يصيغ شخصيته العلمية
والمعرفية. على أن يكون الأمر لايقتصر فقط على الجانب المعرفي النظري المحض يل
ينبغي أن يتزود بالمهارات والممارسات من خلال تقنيات التواصل ومهارات عملية بما
يقوي شخصيته.
كما الجانب المهم هنا تقوية جانب العلاقات، فالعلاقات تطوي
المراحل وتسهل الصعب وتقرب البعيد، علاقات مع زملائه فلا ينبغي أن يكون الطالب
انطوائيا بل منفتحا على كل ممكن معرفي وعلى كل شخصية مؤثرة وعلى كل تجربة حياتية
يأخذ منها العبر. ثم علاقات مع الأساتذة ومراكز البحث ومكاتب الدراسات و فضاءات الإعلام.
ثم إن الحياة الطلابية ليست فقط وحسب طلبا للعلم والعلوم حيث يكون طالبا كراسيا دفتريا، بل أيضا ومعه وأثناءه طالب للحق والحقوق، فالحياد السلبي تجاه مع يقع في الجامعة من علامات الجبن، لا اقصد الانتماء الفصائلي بالتحديد لكن الذي يجب أن يكون في حسبان أي طالب هو أن يكون واعيا باختياره فلا يكون مجرورا ولا مسندا كما لا ينبغي أن يكون ضميره غائب. يختار عن اقتناع دون تعصب يستفيد ويفيد ويدخل الجامعة أو المعهد على أنها مدرسة للبطولة والرجولة وبناء الشخصية القيادية، فما تمنحه لك الساحة الجامعية لن يمنحه لك معهد متخصص، إنها فعل قوي في الزمن وممارسة للقناعات بعيدا عن أي تحنيط ايديولوجي للعقل بل انفتاح مع بناء موقف اخلاقي رافض لكل عنف ولكل اقصاء ولكل قتل ممنهج للتعليم وتدجين وتمجين للطالب.
الحياة طلابية، ينبغي أن تكون صدقا لا تعليقا حياة تضج بالحركة والطلب لا الخمول والكسل والبحث عن السهل والارتخاء.
لهذا لابد لكل طالب طالب أن يضع نصب عليه هدفا يحققه لايحيد عنه، قد يغير طريقة الوصول إليه عندما لا تناسبه لكن لايغير هدفه الذي حدده عن وعي واستخارة واستشارة خبراء وذو تجارب.
إنها فترة قصيرة جدا، أقصر من حلم، لكنها أعمق وأغزر مرحلة تفيض فيها على الطالب موارد لاتحصى مما يبني شخصيته ويصقل مواهبه، متى صح منه العزم وعرف حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه من عائلة تنتظره حتى لا يصبح عالة على احد..
الحياة الطلابية مرحلة تجمع لك ما تفرق في الحياة كلها فلا تكن فيها إمعة ولا متخاذلا، بل كن فيها طالب علم وعلوم ، طالب أدب وآداب، طالب حق وحقوق.