في يومها العالمي .. اللغة العربية “إرث عظيم” يسائل أهله
احتفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، باليوم العالمي للغة العربية هذه السنة، الذي يصادف 18 دجنبر من كل عام، بتسليط الضوء على مجامع اللغة العربية، والنظر في التراث اللغوي في سياق الاهتمام بعالمية اللغة العربية.
واختارت منظمة اليونسكو هذه السنة تنظيم حلقة نقاش افتراضية تحت عنوان “مجامع اللغة العربية: ضرورة أم تَرَف؟” للتفكير في دور مجامع اللغات في حماية اللغة العربية وتعزيزها، شارك فيها عدد من الأكاديميين وخبراء المجامع اللغوية العربية.
وناقشت هذه الحلقة أثر مجامع اللغة باعتبارها وسيلة لحماية اللغة والحفاظ عليها، كما وقفت على أبرز التحديات التي تواجه اللغة العربية اليوم والإنجازات التي تحققت في إعادة إحياء استخدامها.
اليوم العالمي للغة العربية
اعتمدت الأمم المتحدة اليوم العالمي للغة العربية منذ سنة 1973، كونها السنة التي صدر فيها قرار الجمعية العامة رقم 3190 في جلستها 28 المؤرخة بـ 18 من هذا الشهر، الذي قررت فيه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة في إطار ما قالت عنه في موقعها الرسمي “دعم وتعزيز تعدد اللغات وتعدد الثقافات في الأمم المتحدة”.
ويعود المقترح الذي اعتمدته الأمم المتحدة إلى إدارتها في شؤون الإعلام عشية الاحتفال باليوم الدولي للغة الأم الذي يُحتفل به في 21 فبراير من كل عام بناء على مبادرة من اليونسكو، للاحتفال بكل لغة من اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة.
وتقول الأمم المتحدة إن التوازن بين اللغات الرسمية الست، أي الإنجليزية والعربية والصينية والإسبانية والفرنسية والروسية، كان “شغلا شاغلا لكل الأمناء العامين”، وتضيف في موقعها بمناسبة إقرار العربية لغة رسمية من بين لغات المنظمة أنها ”اتُّخذت عدة إجراءات، منذ عام 1946 إلى يومنا هذا، لتعزيز استعمال اللغات الرسمية حتى تكون الأمم المتحدة وأهدافها وأعمالها مفهومة لدى الجمهور على أوسع نطاق ممكن”.
انتشار اللغة العربية
تعد اللغة العربية واحدة من أكثر اللغات انتشارا في العالم ويتحدث بها أكثر من 422 مليون نسمة بحسب منظمة الأمم المتحدة ويتركز متحدثوها أساسا في الوطن العربي من شمال إفريقيا وكثير من بلدان الشرق الأوسط بقارة آسيا، والجاليات العربية فضلا عن انتشار تدريسها والحديث بها في كثير من البلدان غير العربية حول العالم.
لا يمكن اليوم إقصاء اللغة العربية ضمن لوحة الفسيفساء الثقافية والحضارية للبشرية. وتقول اليونسكو إن 290 مليون نسمة من سكان المعمورة يتحدثون العربية يومياً.
ويتزايد الإقبال على تعلم العربية من قبل العديد من الشعوب غير الناطقة بها لاسيما في الصين واليابان، حيث تم اعتماد تدريسها بشكل رسمي في كثير من جامعاتهم، كما في بعض مراكز الأبحاث والدراسات في أوربا، فضلا عن الدول الإسلامية غير الناطقة بالعربية مثل أندونيسيا وماليزيا وإيران وباكستان وأفغانستان وبعض بلدان إفريقيا…
شرف اللغة العربية وغناها
تستمد اللغة العربية شرفها من كونها لغة القرآن الكريم، حيث يسعى معتنقو الديانة الإسلامية إلى تعلم عدد من العبارات بالعربية لأنها باتت جزءا من الشعائر الدينية للمسلمين.
وبالرغم من انتشار الترجمة الحرفية لمعاني القرآن الكريم حول العالم وبلغات تكاد لا تحصى، إلا أن قراءته في الصلاة لا تجوز إلا بالعربية ما يجعل من انتشارها بالتوازي مع انتشار الإسلام أمرا واقعا.
ولقد شارك الأعاجم الذين دخلوا الإسلام في الجهود التي بذلت لشرح قواعد العربية بل لبنائها وتطويرها، ونقلها للآخرين فكانوا علماء النحو والصرف والبلاغة.
وقد كانت طبيعة بنيتها الغنية وقدرتها الهائلة على توليد الكلمات؛ أحد الركائز التي بنت عليها تطورها لتكون قادرة على مواكبة تغيرات العصور بصمود وثبات.
تحدثت العديد من الكتب لأصحابها الضالعين باللغات البشرية عن الغنى الذي تكتنفه اللغة بين حروفها وكلماتها وعباراتها؛ وقد عرفت مرحلة الاستشراق الأوربي بالدراسة الوفيرة حول اللغة العربية، فخرجت دراسات إلى الوجود تشهد على الغنى الذي زخرت به اللغة العربية وما تزال، وهنا يقول المستشرق الألماني فريتاغ: “اللغة العربية أغنى لغات العالم”.
العربية لغة العلوم
كانت اللغة العربية اللغة الحضارية الأولى في العالم إلى وقت قريب، وهي واحدة من أقدم اللغات التي ما زالت تتمتع بخصائصها بما يؤهلها للتعبير عن مدارك العلم المختلفة.
ولا ينكر أحد سبقها التأسيسي في مجالات العلوم من طب وفلك ورياضيات هندسةً وجبراً، كما في الكيمياء، فضلا عن الفلسفة والمنطق وباقي العلوم الإنسانية.
وعرفت اللغة تطورها بشكل كبير في مجالات العلوم بحثا ودراسة وتأسيسا لقرون، استطاعت خلالها أن تكرس اللغة العربية لغة علم بدون منازع، قبل أن تتراجع أمام لغات أخرى متأثرة بتراجع الأمة العربية في كل المستويات.
التخطيط لقتل العربية
في الوقت الذي تبذل فيه الجهود لإقرار اللغة العربية في الأمم المتحدة واعتمادها لغة رسمية من بين لغاتها الست، تتزايد حدة التهميش التي تتعرض لها هذه اللغة في مواطنها الأصلية على المستوى الرسمي لصالح لغات أجنبية مثل الفرنسية والإنجليزية.
فقد أثير مثلا مؤخرا في الساحة السياسية المغربية نقاش إقرار اللغة الفرنسية لغة للتدريس بدلا عن اللغة العربية، ولا يمكن حساب هذه الخطوة إلا نكوص تم الزحف من خلاله على عقود من النقاش لتطوير اللغة العربية لتواكب تحولات العصر. بل وتم الزحف على سنين من العمل لتعريب التعليم والتعليم العالي في المغرب، فضلا عن تأسيس المختبرات وتمويل الفرق التي ترقى بها لتكون في مستوى المنافسة العالمية كما تفعل باقي الشعوب والدول بلغاتها.