تحل بنا هذه الأيام ذكرى على غلاوتها و عزتها تتحسر القلوب لذكرها، كيف لا و هي ذكرى تحرير الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي للمسجد الأقصى المبارك.
تعود مثل هاته الذكريات فتذكر بالجرح الفلسطيني و تبعث الامه في القلوب تحسرا على فقدان اول القبلتين و ثالث الحرمين، كما قال الشاعر المصري محمد التهامي :
و من هانت القدس في دينه يكون كمن هان حتى كفر، لكن أمجاد الماضي في الآن ذاته تستلزم منا إحيائها و التعلق بها تعلق الناظر للمستقبل الأمل في غد التحرير و غد عودة أصحاب الحق الشرعي في الأرض إلى أرضهم.
إن أمثال هاته الذكريات المجيدة من تاريخنا التليد تتطلب منا وقوفا متبصرا أمامها لﻹعتبار و إستنباط العبر لا للتباكي على الأطلال.
وقوفنا على قصة تحرير صلاح الدين الأيوبي للمسجد الأقصى المبارك ما حوله تستوجب منا التساؤل عن السر في قيام صلاح الدين الأيوبي بما عجز عنه عرب النكبة و النكسة. بل إن التشابه التاريخي الحاصل بين الحقبتين الزمنيتين واضح ففي كلتا الحقبتين كانت بلاد الإسلام مقسمة إلى دويلات تتنازع السلطة بينها و كل دويلة تزعم أنها الأحق بشرعية قيادة باقي الدويلات.
إن الزعم بكون تحرير صلاح الدين الأيوبي للمسجد الأقصى المبارك كان ضربة لازب دون سابق عمل و تخطيط هو مرد و أصل الهوان الذي تعيشه الأمة.
إن صلاح الدين الأيوبي و إن كان هو من يذكر إسمه كبطل تحرير المسجد الأقصى فإن من خلفه يقف رجال. فمهما كان صلاح الدين من القوة و الحكمة و الرجاحة فلن يكون بمقدرته حمل أعباء تحرير المسجد الأقصى و لو كان قائدا فولاذيا تتحرك بإشارة منه الجيوش الجرارة.
فأول عبرة نقف عندها من سيرة صلاح الدين أن الله لن يبعث لهذه الأمة “قائدا مخلصا” ليحررها، بل الأمة من ستقف وقفتها حتى تحرر نفسها بنفسها، فلا تحرير و لا مرانة ما لم تتحمل الأمة مسؤوليتها الجماعية و تنبذ التواكل و تنبذ فهم القاعدين العاجزين المعجزين الذين جعلوا شعارهم في الحياة < إذهب أنت و ربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون > بل المرحلة تتطلب فهما رجوليا يقول ” إذهب أنت و ربك فقاتلا فإنا معكما مقاتلون”.
إن السياق التاريخي الذي جاء فيه تحرير صلاح الدين الأيوب مشابه لوضع الأمة في عصرنا هذا، الأمة مشتتة مجزأة منقسمة إلى دويلات منخورة من داخلها، أمة ضعيفة منهكة “مريضة”.
في عصر صلاح الدين الأيوبي عمل أول ما عمل على بناء الجبهة الداخلية قبل مواجهة العدو الخارجي، عمل على تجميع ما تبقى من شتات الدولة العباسية فمن المستحيل أن تواجه أمة بهاته الحالة عدوا خارجيا مهما تضائلت قوته و صغر شأنه.
فالعبرة التي نقف عليها هنا تتجلى لنا في قول الله عز و جل < إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم >
فلن تتحرر الأمة و لن يتحرر بيت المقدس حتى تتحرر الأمة من غثائيتها و ضعفها.
ختاما فإن مقدسات الأمة لن تتحرر ما لم تنبعث في الأمة إرادة خارقة للعادة تجعل من المستحيل حقيقة، إرادة للعمل و فهم صحيح لﻷولويات في سلم التحرير.