غير بعيد في الزمن عن خطاب 20 غشت، الذي أدار ظهره عما يعرفه الوطن من أحداث…؟ انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور وفيديوهات لما وصفه ناشطون “باغتصاب جماعي” لفتاة على متن الحافلة وأمام أنظار الركاب وسائق الحافلة، دون أن يحرك أحدهم ساكنا لإنقاذ المسكينة من بين أنياب الذئاب البشرية، بل ولم يكلفوا أنفسهم عناء استدعاء الأمن، والأكثر من ذلك أن بينهم من أمسك الكاميرا “لتصوير الواقع” المر بدل الانخراط الفعلي في تغييره.
ما تم اغتصابه داخل الحافلة ليس فتاة لوحدها، بل هو شرف كل المغاربة وتم تصويره على الأثير، ليس الفتية من قاموا بالاغتصاب بل دولة تصنع الأمن والاستقرار على المقاس الذي يخدمها ويخدم مصلحة نظامها، من تم اغتصابه حقيقة هو من يصدق مقولة الأمن والاستقرار…
لاشك أن هذا الحدث يسائل الضمائر، ويطرح على الطاولة أكثر من قضية تستحق النقاش، فهو يؤكد حالات التسيب ومسؤولية الدولة في حماية أرواح المواطنين وكرامتهم، ولا شك في أن هذا الحدث ليس وحيدا بين مثيلاته، غير أنه تطور خطير باعتبار الكيفية والمكان الذي وقعت فيه الجريمة، فقبل تسجيله على أنه انتهاك لكرامة إنسانية فهو كذلك انتهاك لحرمة المكان أمام أنظار العامة، لن يهنأ بال أية امرأة على بناتها بعد اليوم، ولن يرتاح ضمير أي رجل على أولاده بعد اليوم…
فإن كانت الدولة بكل مؤسساتها مسؤولة بشكل مباشر عن هذه الممارسات؛ بإعلامها الرسمي الراعي الأول لإفساد النشء، في مقابل تخليها عن مهامها؛ سواء في تربية الشعب على الأخلاق الفاضلة، أو من جانب الزجر؛ حيث القوة الرادعة… فلا شك أيضا أن مسؤولية مكونات المجتمع المدني ثابتة في الإسهام بشكل أو بآخر في تأطير الشعب وتربيته ومحاربة كل أشكال الانحراف والتطرف.
فعندما نمعن النظر في الانحرافات التي يساق إليها الشباب المغاربة غصبا، فلا يمكن أن نعزلها عن باقي القضايا في المجتمع باعتبار علاقات التأثير والتأثر، لا يمكن عزل واقع الممارسة العملية اليومية للشباب، عن واقع التخطيط اليومي الذي يواكبه في غرف عمليات أعداء الأمة في الداخل والخارج، ولا يمكن أن ننفي مسؤولية الدولة في حماية هذه المخططات والسهر على تنفيذها. انحرافات تلقي بظلالها على الرواج الاقتصادي في صندوقه الأسود، الذي تديره فرق “المافيا” من خلف الستار، كما تلقي بظلالها على رداءة النخب بما يؤهلها لتشكل منافسا سياسيا حقيقيا…
الاستبداد يسعى لتكريس مقولة مهمة هي: “أن يلهو الشعب بنفسه…خير لنا من أن يلهو بنا”.