يبدو أن الكل تتبع بالتفصيل الممل مجريات انتخابات السابع من أكتوبر2016 وما أفرزته من نتائج، أكيد غيرت وستغير توقعات الكثيرين ممن راهنوا وخططوا لمشهد سياسي على مقاسهم، إلا أن هذا الرهان خسر، والسبب هو حجم المقاطعة الكبير الذي أماط اللثام عن حقيقة مغرب الديموقراطية والتعددية والاستثناء…ليتأكد بالملموس زيف هذه الشعارات، وأن المشهد السياسي في واد، والواقع الاجتماعي في واد. فيا ترى ما هي هذه الرسائل الغير مشفرة المستوحاة من هذه المقاطعة؟
على مستوى الأحزاب السياسية:
لقد أصبحت الانتخابات تكشف بالملموس حجم وحقيقة هذه الأحزاب، انطلاقا من عدد الأصوات المتدنية التي تحصل عليها، وحتى الأحزاب التي حصلت على نتائج لابأس بها فهي نتيجة لتآكلها من بعضها البعض، وما زاد من أزمتها هو نسبة المقاطعة في هذه الانتخابات لها, والتي مفادها أن الهوة بينها وبين الشعب أصبحت كبيرة لعدة اعتبارات منها:
أولا: إنعدام التواصل المستمر مع الشعب، أكد له بالملموس زيف الشعارات أثناء الحملة.
ثانيا: غياب مساندة الشعب في قضاياه الاجتماعية، بل في أغلب الأحيان تبرير ما يتعرض له من إعتداءات من قبل المخزن.
ثالثا: عدم تطبيق برامجها على أرض الواقع مما يتبين للشعب عدم المصداقية في الخطاب.
لهذا وغيره، أصبحت الأحزاب في وضعية لا تحسد عليها، يغلب عليها الارتباك، مما يهدد وجودها من عدمه، نظرا لعدمية دورها في المجتمع كونها أصبحت “ديكورا” يستعمل لتأثيث المشهد السياسي لا غير.
على مستوى الحكومة:
تنتهي الحملة الانتخابية وتظهر النتائج وتتشكل الحكومة، فتتوزع الأدوار بين من يلعب دور الحليف ومن يلعب دور المعارضة، فيسمح للحكومة اللعب في خانة مغلقة مع علمها بذلك بل تسليمها لأمر الواقع، مما يجعل الغالب في أداءها هو التمثيل وتبادل الاتهامات حتى يظهر على أن المشهد السياسي بالمغرب ساخن ومتحرك ويتميز بالدينامية..في حين تزداد وضعية الشعب تأزما على مستوى التعليم والصحة وحقوق الانسان والحريات العامة ومستوى العيش..فيتأكد بالملموس للمواطن أن الحكومة محكومة وعقيمة لا تغير من الوضعية المتأزمة إلا “الروتوشات..”.
لذلك بات عليها إعادة النظر في دورها مع تحمل مسؤوليتها التاريخية كاملة غير منقوصة في أداء إلتزاماتها مع الشعب من خلال وضع النقاط على الحروف، وتسمية الأشياء بمسمياتها عوض تعليق فشلها على الأشباح والتماسيح.
على مستوى النظام السياسي المخزني:
كانت رغبة الدولة العميقة بالمغرب التحكم في مسار هذه الانتخابات من خلال رغبتها الجامحة في تبويئ حزب “البام” المرتبة الأولى من خلال تعبئتها لذلك بكل أعوانها وبطرق غير شرعية، إلا أن النتائج خيبت آمالها، مما جعل وزارة الداخلية ترتبك أثناء إعلانها عن النتائج، حيث بلغت نسبة المقاطعة حصة الأسد على نسبة المشاركة. مما بات على المخزن إعادة النظر في الترويج لوجه مغرب الاستثناء للخارج ووجه داخلي مشوه تكشفه الممارسة والأرقام بالرغم من محاولات الكتمان للحقائق المرة لوضعية الشعب، والتي يتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى من خلال سياسة الإقصاء والأنا المستعلية، وسياسة تجفيف المنابع التي ينهجها والتي لا تزيد البلاد إلا خرابا وهلاكا، مما لا محال ستؤدي حتما لنتائج لا يحمد عقباها.. لذلك لا خيار أمامه، فإما الإصلاح الجذري أو الإصلاح الجذري.
على مستوى المؤسسة الملكية:
إن الدور الذي تلعبه هذه المؤسسة والمتجلي في النأي بنفسها عن حصيلة الوضع المتأزم للبلاد، أصبح مكشوفا للعلن من خلال المنظومة القانونية التي تضعها فوق كل محاسبة والتي تجعلها الحاكم الفعلي لدواليب السياسة العامة للبلاد، فبالرغم من محاولتها في هذه الانتخابات الدفع بعجلة الديموقراطية من خلال الخطب والدعوات إلا أن أذن المقاطعين كانت صماء..
لذلك أصبح على المؤسسة الملكية إلتقاط الرسالة أن الربيع العربي لم ينتهي. وأن من يقول بأن هناك من يريد بالبلاد أن تصبح كسوريا الجريحة نسي أن هناك نماذج أخرى كتركيا وسانغفورة وكوريا الجنوبية وغيرهم..الذين تغيرت أوضاعهم دون أن تسقط قطرة دم، فقط بالتنازل عن السلطة المطلقة للشعب وبتوزيع الثروة عليه وربط مسؤولية الحاكم بالمحاسبة.
على مستوى قوى المجتمع الحية:
لقد آن الأوان على كل قوى المجتمع الحية من جمعيات وهيآت وجماعات وأحزاب.. التي نأت بنفسها عن المشاركة من داخل اللعبة السياسية واختارت الطريق الذي لا زحام عليه عكس طريق المشاركة الذي كله فوضى وضجيج.. أن تؤدي دورها الذي أصبح منوطا بها في ظل تزايد نسبة المقاطعين التي أظهرت بأن هناك كيان نائم قد يستفيق في أي لحظة تاريخية للمطالبة بالتغيير الجذري، وقد يستعمل لذلك طرق عنيفة والعنف لا يأتي بخير..لذلك على هذه القوى الحية الرفع من مستوى تأطيرها السياسي والتوعوي.. لهذه الفئة التي ثبت حسب إحصائيات الانتخابات أن أغلبها شباب، وذلك من خلال تكثيف التواصل معها والقرب منها في الوقت الذي تركتها الأحزاب فيه لسياسة المخزن حتى ينال منها باعتبارها مستقبل الأمة.
قد يظن القارئ أننا عدميين ونسعى مما نكتب إلى إثارة الفوضى، لكن نيتنا هي أن ندق ناقوس الخطر لمن يعي.. وذلك حتى نجنب البلاد أي فوضى عارمة يصعب التحكم فيها. “قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ”. صدق الله العظيم، آخر الآية (91) من سورة الأنعام.
بقلم:سعيد غزالة