شهد العالم في السنوات الأخيرة تغيرات جذرية على المسرح الدولي ، حيث اصبحت العلاقات الدولية ذات طابع آخر مختلف و متميز عما كان عليه من قبل ، إذ كان ما يسمى بالثنائية القطبية في اطار العلاقات الدولية التي كانت توفر قسطا من التوازن في سير و انتظام العلاقات الدولية ، و انتقل الواقع الى نظام جديد أحادي حتمية ظروف عديدة ، منها ما تجلى بانهيار الاتحاد السوفياتي و انسلاخه عن الساحة الدولية ، و الامر الآخر المتمثل في حرب الخليج الثانية التي خلفت واقعا مريرا مؤلما على العالم العربي، حيث تزعمت الولايات المتحدة الامريكية سدة العالم و اصبحت تنادي بضرورة تثبيت دعائم و اسس النظام الدولي الجديد .
إذن، و بما ان الاتحاد السوفياتي قد ودع هذا العالم و اصبح في عداد الدول التي حصلت على استقلالها منذ فترة ، حث تخلي عن القوة العظمى و الترسانة النووية التي كان يتميز بها لصالح الولايات المتحدة الامريكية و حيث ان المبادئ الاشتراكية كانت الاساس الفعلي للسياسة الخارجية السوفياتية ، فلا أحد يُنْكر أن الاتحاد السوفياتي وقف مع دول العالم الثالث و دافع عن حقوقها ، سواء على المستوى السياسي او العسكري و أنه كان دائما مؤيدا لفكرة ضرورية انعقاد المؤتمر الدولي الخاص بقضية الشرق الأوسط ، و لكن نظرا لتضارب المصالح بين القوتين العظيمتين ، فشل هذا المؤتمر و لم يُكتب له الانعقاد و بقي حبرا على ورق ، حيث أنه و بعد تزعم “ميخائيل غورباتشوف” لرئاسة فيما كان يسمى بالحزب الشيوعي، بدأ برنامجه الاصلاحي من شتى الجوانب الاقتصادية و الاجتماعية، الامر الذي ترك الامور تتدهور و خاصة الجانب الاقتصادي الداخلي في الاتحاد، مما تطلب ضرورة الانفتاح على العالم الخارجي لإنقاذ ما يمكن انقاذه لما كرسته سياسة البروسترويكا ، و ذلك من اجل الخروج بأفضل النتائج لهذا البرنامج الذي اختاره “غروربا تشوف ” لبرنامجه، حيث انفتح باب الهجرة السوفياتية على مصراعيه ، و كانت القبلة لهؤلاء المهاجرين هي فلسطين تحت شعار “احترام حقوق الانسان “.
و القضية الفلسطينية التي حظيت بنصيب وافر من كل هذه التغيرات التي عرفتها الساحة الدولية التي لم تكن بمنأى عن كل هذه الاحداث و بالرغم مما يلاقيه الشعب الفلسطيني من الة القمع الشرسة هناك في الارض المحتلة من خلال ممارسته لحق من الحقوق المشروعة في دفاعه عن الارض السليبة، حيث يُمارس ضده ابشع صور القمع من الاحتلال الاسرائيلي الذي طبق من اساليب التعذيب الوحشية المنافية للإنسانية على ابناء الشعب الفلسطيني ما لا تطبقه النازية في العهود السابقة، و ما ابعاد العديد من المواطنين الفلسطينيين عن ارضهم و بيوتهم الا جزء من هذه الأساليب .
و في مسيرة النضال الفلسطيني خلال الستين عاما، حظي بتأييد واسع من الاتحاد السوفياتي الفتية التي كانت علاقة متميزة مع الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، حيث تميزت هذه العلاقة احيانا بالثبات و التأييد للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني التي اقرتها الامم المتحدة و قرارات القمم العربية .
قلنا بان لفلسطين و الفلسطينيين نصيب الاسد في معاناتهم من هذه التغيرات الدولية حيث كما تمخضت عنه حرب الخليج بعد انتصار الولايات المتحدة الامريكية في حربها على العراق، ظهرت مصطلحات جديدة حتمها تسارع الاحداث ، فظهر ما يسمى بالنظام الدولي الجديد و ضرورة وضع الترتيبات الامنية لمنطقة الشرق الاوسط التي تشكل بؤرة التوتر العالمي نظرا لوجود جسم غريب في تلك المنطقة زرعه الاستعمار ليكون حارسا لمصالحه الاستراتيجية، هذا الجسم الذي غزا فلسطين بل و يطمع بالدول المجاورة حظي و مازال يحظى بأضخم تأييد من قبل الولايات المتحدة الامريكية و في شتى المستويات السياسية و العسكرية، و طبعا هذه الترتيبات الامنية حسب التصور الامريكي الإمبريالي يجب ان تتلاءم مع السياسة التوسعية الاسرائيلية، و بالمقابل، ضرورة الحفاظ على استمرارية ضخ النفط العربي بكثرة و بأبخس الاسعار ، لذلك جاء خطاب “بوش” امام الكونغريس الامريكي ليضع الارضية التي يجب من خلالها حل الصراع العربي الاسرائيلي و كانت بداية هذا السيناريو في مدريد و استقرت في واشنطن .