الرئيسيةرأي حرقضايا الاتحاد
الطرد في الأصل.. سلوك فرونكوفوني.. و”المهدي المنجرة” أول ضحاياه!!
بقلم: الحسين كوكادير
طبيعي جدا أن تتساءل أيها القارئ عن هذا العنوان، ولماذا هذه الصياغة؟ ومقبول جدا أن يحصُل بيني وبينك اختلاف في مفهوم الطرد وأصله وتاريخه باعتباره عقوبة وأداة جزر وتأديب في الحياة المدرسية المؤسساتية بالخصوص.
لكن، دعني أولا عزيزي القارئ أوضح لك سبب وسياق التدوين، ولا تصدر أي حكم قيمة حتّى تُكمل نص المقال. لا يهمني هنا الغوص في المفهوم وحواشيه، بقدر ما تهمُّني الرسالة التي يحملها هذا المفهوم للقارئ، ولكل من له غيرة على المنظومة التعليمية والجامعة المغربيتين، جرّاء ما تتعرض له من طمس للهوية الوطنية، واكتساح للثقافة الفرونكوفونية التي أخذت وتحكّمت بزمام الأمور منذ وقت الاستعمار المباشر إلى يومنا هذا؛ وقت الاستعمار غير المباشر.
الكل يعلم، ودون التعمق في هذا، ما تعرّضت له المدارس الوطنية المغربية، ومعها أبناء الشعب المُفقّر، من قبل الإدارة الفرنسية خلال مرحلة الخمسينيات والستينيات؛ من تشويه وإغلاق للمدارس وتسريح للأساتذة والمعلمين المغاربة، مقابل فتح وتعظيم وترويج للمدارس الفرنسية في أوساط المغاربة بهدف طمس مرجعيتهم الإسلامية وهويتهم الثقافية المغربية.
الأكيد، أن لا أحد اليوم يستطيع أن يُنكر جهود العديد من الوطنيين المغاربة والعلماء الأجلاء، أمثال: “المختار السوسي” و”إدريس الكتاني” و”الشيخ بلعربي العلوي” و”عبد الكريم الخطابي”… وغيرهم كثير، في التصدي ومواجهة هذا التغول الفرنسي الاستعماري. لكن، المؤكَّد اليوم، رغم كلّ ما بُذل من تضحيات جسام، أن هناك مُفَرنَسين من بني جلدتنا تشبعوا بإرث الأجنبي الفرنسي، وحافظوا عليه حفاظا لمصالحهم، وهو اليوم ما يزال ساريَ المفعول في الجامعات والمدارس المغربية…
إن سبب عنونة هذا المقال بالوسم أعلاه، والإشارة إلى كل التفاصيل الآنفة الذكر، هو استحضاري لحادثة وقعت للمفكر المغربي الوطني النزيه “المهدي المنجرة”؛ وهو يتحدث عنها في حوار له مع “محمد بهجاجي وحسن نجمي” في كتاب “المهدي المنجرة: مسارُ فكر”. وبخلاصة، يتحدث عالم المستقبليات المغربي عن مساره التعليمي في الابتدائي والثانوي، والتحاقه بالليسي الكبير “اليوطي” بعد حصوله على شهادته الابتدائية. وعن المثير بعد هذا الالتحاق؛ الذي هو طرد “المهدي المنجرة” من المؤسسة وعدم السماح له بالعودة نهائيا إليها، وهو ما دفع والده إلى اتخاذ قرار إرساله إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال دراسته. والسبب في طرد المنجرة ليست مبررات تربوية أو بيداغوجية، ولا ضعفه في اللغة أو التعبير؛ وإنما هو لعدم استجابته لرغبة الأستاذ وقانون المؤسسة الذي يحث ويؤكد على ضرورة الإشادة بالعلاقات الفرنسية المغربية آنذاك، ثم لاحتجاجه المستمر في كل حصة على أستاذ مادة التاريخ كلّما حرّف وقائع ما في التاريخ المغربي.
وبالعودة إلى واقعنا اليوم، ونحن نعيش أخطر جريمة تعيشها الجامعة المغربية، وهي المتمثلة في طرد ثلاثة طلبة دون سند قانوني أو تربوي من قبل عميد كلية العلوم ابن زهر أكادير المُتخرج من المدرسة الفرنسية والمتشبع بفكرها وثقافتها وسلوكاتها. ألا يشبه سلوك طرد العالم المغربي “المهدي المنجرة” آنذاك سلوك طرد الطلبة الثلاثة اليوم؟ ألا يعني هذا استمرارا للسلوك الفروكوفوني في الجامعة المغربية؛ وهو الذي جعل “المهدي المنجرة” وقتئذ يسافر نحو التعليم الأنجلوساكسوني؟ ماذا فعل “المنجرة” والطلبة الثلاثة حتى يُطردوا ويُمنعوا من حقهم الطبيعي والإنساني سوى دفاعهم عن هويتهم ووطنهم، وغيرتهم على الجامعة المغربية وطلابها؟…
يقول “المهدي المنجرة”، وبقوله نؤكد أن معركة هؤلاء الطلبة الثلاثة فخر واعتزاز لنا ولهم وللجامعة المغربية بأكملها، وأن الاستمرار في الصمود والنضال هو السبيل:« إنني حين أتذكر مثل هذه الوقائع أشعر باعتزاز عميق، إذ على المرء ألا يكبت انفعالاته، وألا يستسلم لقبول الأوضاع كما هي، وعليه كذلك أن يحرص على معانقة التساؤل المستمر».