الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وعلى آل وصحبه ومن والاه.
منزلة الشوق إلى الله من أعظم المنازل وأجلها، يعيش فيه المؤمن بكليته مع الله تعالى، شوقا وطلبا وتضرعا، ونأخذ أصل مقام الشوق من هذه الآية المباركة حيث يقول ربنا في سورة العنكبوت الآية 5 : ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ﴾.
“من كان يرجو لقاء” هو المشتاق إذ يُبَشر في هذه الآية أنه سيصل إلى طلبه الكامن في رؤية الحق سبحانه. قلب المشتاقين دائم التعلق بالله مع دوام الذكر، وقلب الغافلين دائم التعلق بالملذات وهوس الدنيا، المشتاق يعيش حياته بين الرغبة والرهبة كما قال ربنا عز وجل في آل زكرياء ” إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ” الآية 90 سورة الأنبياء.
كما أن المشتاقون عُرفوا بصفة السبق لقوله تعالى: “فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا” الآية 4 سورة النازعات ، وقال الغزالي في الشوق إلى الله عز وجل : أعلم أن من أنكر حقيقة المحبة لله تعالى فلا بد وأن ينكر حقيقة الشوق إذ لا يتصور الشوق إلا إلى محبوب ونحن نثبت وجود الشوق إلى الله تعالى وكون العارف مضطرا إليه بطريق الاعتبار والنظر بأنوار البصائر وبطريق الأخبار والآثار . إحياء علوم الدين 4/322. وكان علي بن سهل بن الأزهر أبو الحسن الاصبهاني يقول في وصفه لشوقه: “ألهاني الشوق إلى الله عن الطعام والشراب”.البداية والنهاية 11/150.
المشتاق إلى الله تصبح عنده الدنيا سجن يبحث فيه المسجون عن من يفرج عنه ولو بمال الدنيا، حتى قال أحد المشتاقين تمنيت لو اشتريت الموت حبا في لقاء الله. يقول ابن الجوزي في ” المواعظ “، 14 بعض العابدات كانت تقول: والله لقد سئمت الحياة حتى لو وجدت الموت يباع لاشتريته شوقاً إلى الله وحباً للقائه، فقيل لها: على ثقةٍ أنت من عملك؟ قالت: لا والله؛ لحبي إياه وحسن ظني به، أفتراه يعذبني وأنا أحبه:
يا ناظرَ العينِ قُل هَل ناظرتَ عينِى * * * إِليكَ يوماً وهَل تَدنُو مِنَ البين
اللَهُ يعلَمُ أَني بعدَ فُرقتُكُم * * * كطائرٍ سَلَبوهُ مِن الجنَاحَين
ولَو قدِرتَ ركبتَ الريح نحوَكُم * * * فإِنَّ بُعدِى عَنكم قد حَنَا حين
وما هذه الدرر إلا قطرة من صنبور الشوق نثلج بها قلوبنا، نسأل الله تعالى أن يبلغنا مقام الشوق وأن يجعلنا من العابدين.
بقلم: سعد الزين