بقلم: شيماء زرايدي
في بلاد خيمت على سمائها سحابة ظلت تمطر آناء الليل وأطراف النهار ظلما واستبدادا وترويعا وتهميشا، لتجرف هذه الأمطار معها هِمم شباب غُيب عندهم وضوح الرؤية وتحديد الأهداف، هذا بالتأكيد ليس وليد لحظة مفاجئة، بل هو تحصيل حاصل لسنوات من القمع و”التكليخ” وبيع الوهم لشباب شاخ في العشرين من عمره. العامل الذي يهدر على هذا البلد الكثير من الفرص من أجل النهوض وإيقاظ الإرادات واستنهاض العزائم لكسب رهان التقدم ومن أجل تحسين تصنيف ترتيب بلادنا ضمن جداول تراتبية الدول من حيث التعليم والصحة والقائمة طويلة بطول الهموم.
حقا عندما تجوب أيها القارئ أزقة المدن التي هي الأخرى لها قصة أخرى، سترى شبابا فاقدا للقيم الأصيلة، شبابا حاقدا على المجتمع. والمجتمع يندب حظه صباح مساء ويتجرع مرارة عجزه على تقديم أبسط الحقوق لمن شاب قبل أن يعتري الشيب رأس أو تزين وجهه تجاعيد السنين، شباب بات لا يكترث لشيء سوى فوز فريقه المفضل في المباراة، شباب أصبح يعيش في وطنه لكن عقله في موطن الأحلام، موطن يوفر له أبسط الحقوق التي جعلوا شيوخ العشرين يظنونها أحلاما.
ورغم سحائب الظلم المتكررة التي شعارها “قانون العصا لمن يعصى” فشيوخ العشرين يتميزون بخصائص وسمات سيكولوجية وسوسيولوجية جعلتهم يتحركون بشكل قوي في وجه الاستبداد والظلم والفساد ضمن الحراك الديمقراطي فتحقق التغيير، لكن هذا الحراك أو سموه ما شئتم، سموه هبَّات شعبية، أو انتفاضات اجتماعية، أو زلازل سياسية، أدى في بعض الأقطار إلى أسوأ أشكال الارتداد والنكوص نتيجة مكائد الثورة المضادة، فعادت الدولة القديمة أشد فتكًا مما كانت عليه وانطبق عليها ما يقوله نجيب محفوظ في روايته (ثرثرة فوق النيل) من كون “الثورة يخطط لها الدهاة وينجزها الشجعان ويغنمها الجبناء” لأن الآيات كلها في وطننا العربي معكوسة. لنرى في الأخير وطنا بلا مواطن فهذا نتاج ذاك.
لكن من بين هؤلاء الشيوخ من ساقهم القدر ليتربوا على أياد وقلوب قالت لهم من هنا الطريق، من هنا البداية، فكانت تلك الكلمة جذوة نور آن لها الأوان لتوهج في ثناياهم روح النضال والعمل والعطاء دفاعا عن حقوقهم وحقوق أمتهم المستضعفة. لذلك فاحتضان الشباب هو احتضان ركيزة جديدة ستدفع بالبلاد الى أعلى القمم. مما يستدعي أن تبرمج لهم برامج ومخططات مستقلة غير المخططات المعلومة، ودمجهم في كل أقطار العمل لأنه من سمات الشباب الإبداع. كي تنار طريقهم، ويزال عليهم وشاح الفشل، حيث أصبح الشباب مرادفا للفشل في الوطن العربي ومقبرة للطموح، وغذاء لأسماك البحار، وسلعا شرق البلاد تباع.
ورغم كل ما أسلفت ذكره إلا أن للشباب غيرة على الوطن، غيرة أيقظت بقدرة قادر كل العزائم المحطمة والإرادات المغيبة، وأصبحوا غصة في حلق من كسروا عزائمهم وإراداتهم. أُيْقِظت فطرتهم السليمة وكانت ملاذا لتوقف حربا دامت سنين، وتجعله في الصفوف الأمامية أمام كل انكسار، فكانت نعم الآمال على مستقبل الوطن.
لكل ما سبق وباعتبار الشباب قوة حقيقية للتغيير وعماد هذا الوطن ومستقبله الواعد، ونظرا لكونه يشكل الفئة الأكبر عددا بين فئات المجتمع والثروة الحقيقية له، وجب إيلاؤه عناية خاصة وجعله في صلب كل المشاريع والمخططات الاستراتيجية للبلاد مما سيساهم في إنجاح مشروع التغيير الديمقراطي، لأن الشباب هو فئةٌ رافعة للنهوض بريادة الأوطان فلا نملك إلا أن نقول لكم دمتم خير زاد لأحوج الأوقات.