منذ تأسيس نقابة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وهي تلعب أدوار طلائعية في النضال إلى جانب الجماهير الطلابية، لكن تعاقب الازمات على النقابة جعل من خيارات مكوناتها الطلابية تتخذ مسارات متعددة فانحاز البعض لخيار الممانعة والمقاومة ضد مخططات المخزن فيما اختار البعض خيار المهادنة ونهج آخرون نهج الدفاع عن النفس بالعنف والدماء.
لقد جربت الفصائل المتعاقبة على قيادة أوطم منذ تأسيسه كل الخيارات النضالية للدفاع عن مطالب الطلاب و حماية مكتسبات الطلاب، فدافع الطلبة المطرودون بكلية الآداب الجديدة بداية التسعينات عن حقهم في التسجيل بإضراب عن الطعام دام 94 يوم فنالوا حقهم ، و قاد مناضلون سنة 1991 بكلية الطب بالبيضاء معركة بطولية للدفاع عن ملفهم المطلبي بمسيرات و اعتصامات أدت لتدخل أمني عنيف أستشهد على إثره الطالب عبدالجليل فاخيش (عضو بفصيل طلبة العدل و الإحسان) إثر تدخل قمعي من قوى المخزن، ناهيك عن حجم الاعتقالات و الاصابات التي راح ضحيتها الطلاب بعد صدور الدورية الثلاثية في 1997 . إن تاريخ الحركة الطلابية مليء بالتضحيات الجسيمة التي مهدت الطريق أمام الأجيال اللاحقة لكي تمارس حقها في التظاهر والاحتجاج.
عرفت اوطم نقلة نوعية في اختياراتها الحركية والتصورية بعد انشقاق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عن حزب الاستقلال في 1959، لتعرف أوطم بعد ذلك كرا وفرا مع المخزن المغربي انتهى في بعض الاحيان بانتصار خيار ” المهادنة” وتارة بغلبة الخيار الثوري الرافض للانصياع.
لعل ما مميز نضالات الحركة الطلابية عبر التاريخ هو العمل بمبدأ الجماهرية والذي يتجلى في التصاق كل المعارك النضالية بالجماهير الطلابية التي تعتبر مصدر اقتراح أشكال النضالات ومحركها ومنفذها ليبقى دور هياكل أوطم التأطير و التوجيه. ومرورا بجل محطات أوطم التاريخية لم يسجل أن كانت نضالات الطلاب تدار في مكان غير الساحات وحلقات النقاش التي تعتبر مركز التقرير والمداولة في قضايا الطلاب، لقد باتت ساحات الكليات في المغرب تحمل رمزية كبيرة لدى الطلاب حيت لا تكاد تجد مناضلا من المتقدمين أو المتأخرين لا يحن إلى ساحة الكلية التي درس بها. وعلى مر 60 سنة من تاريخ أوطم قاد طلاب المغرب معارك بطولية كانت الساحات وفي بعض الأحيان الشوارع مسرحا لها حيت كانت هاته النضالات تجبر الإدارة على طلب الحوار مع ممثلي الطلبة الذي كان أغلبهم قادة ميدانيين يحاورون من موقع قوة بعد أن أثبتوا للإدارة أن لا حل لها غير الاستجابة لمطالبهم.
بحلول سنة 2000 قامت الدولة المغربية في إطار ما يسمى ب «الإصلاح الجامعي” بإصدار ظهير رقم 1.00.199 الذي ينص أحد قوانينه على إحداث مجالس للكليات تكون بمثابة مجلس مسير لشؤون للكلية، و لعل المثير في الأمر هو صدور هذا القرار على بعد 3 سنوات فقط على تفعيل ما يسمى بالمذكرة الثلاثية بين وزارة التعليم العالي، العدل و وزارة الداخلية. المذكرة التي صدرت سنة 1997 أعطت الضوء الأخضر للقوات القمعية بدخول الحرم الجامعي واعتقال الطلاب وضربهم بدعوى إخلالهم بالنظام العام للمؤسسة، المذكرة كانت بداية مشؤومة على الساحة الطلابية هدفها تخريب منظومة التعليم العالي و تركيع المناضلين و إرغامهم على القبول بالأمر الواقع، و لعل إحداث مجالس الكليات بتمثيلية تضم طالبا عن كل سلك و إعطائها كل تلك الأدوار المحورية في تدبير شؤون الكليات يؤكد ذلك. في هاته المرحلة التي تلت سنة 2000 كان الهدف إخماد لهيب الساحة خصوصا والدولة المغربية كانت تستعد لإطلاق ما يسمى ” بالميثاق الوطني للتربية والتكوين” سنة 2003 والذي يعتبر فاشلا باعتراف رسمي يزكيه الواقع.
كغيره من المجالس التي يحدثها المخزن في بعض المؤسسات, مجلس الكلية بصفته مجلسا يضم العديد من الأطراف منهم 9 أو أكثر أعضاء بحكم القانون و 18 ينتخبون, مجلس الكلية إذن يضم 28 عضوا على أقل تقدير, مما يطرح السؤال أمام جدوى تمثيلية طالب واحد عن كل مسلك, فأن يمثل طالب واحد أكثر من 5000 طالب بسلك الإجازة وسط 20 منهم أساتذة باحثون و رؤساء شعب و أساتذة مساعدين و آخرين مؤهلين هو استهتار بالعمل النقابي و تبخيس لقيمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كنقابة ملتصقة بالجماهير تأبى الركوع و ترفض الجلوس على الكراسي, فالناضر في تاريخ أوطم لم يكن ليتصور أن يقبل مناضلوه بفتات الصلاحيات وسط مجلس يخضع في الغالب لوصاية رئاسة الجامعة المتحكم فيها بشكل مباشر من طرف المخزن. أسوق مثالا حيا لما ذكرته، فحسب مصدر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة فمجلس الكلية هناك مجلس صوري حيت تكتب تقارير بإملاءات فوقية أرغمت الطالب الممثل لطلبة الإجازة على الانسحاب والامتناع عن حضور لقاءات المجلس لقناعته أن المجلس صوري لا يمثل إلا لوبيات التحكم. وليس هذا فقط بل إن جل القرارات الظالمة في حق الطلاب مصدرها هذا المجلس زيادة على أن نسبة الطلبة الذين يشاركون في هاته العملية الانتخابية عدد قليل جدا لا يمثل عدد الطلاب الحقيقي، ففي كلية الآداب مثلا سنة 2014 كان عدد الأصوات التي حصل عليها الطالب الممثل لطلبة الإجازة 4 أصوات فقط، فأي تمثيلية هاته التي تنبثق عن تصويت 4 طلبة.
غالبا ما يتحول الطالب الحماسي الاندفاعي صاحب المواقف والمبادئ وسط ثلة من أصحاب الخبرة في الترويض إلى مطواع مدافع عن قرارات المجلس وسط الطلاب، فيتحول من مناضل وسط الساحة إلى وسيلة نقل لقرارات المجلس فيقوم بنشرها وسط الطلاب والدفاع عنها بكل استماتة وشرحها حتى يقتنع بها الطلاب. وبالتالي فالنضال الميداني لا فائدة ترجى منه لأنه فقط تشويش على عمل المجلس مادام “ممثل الطلبة” حاضرا لا داعي للاحتجاج، وبالتالي ينجح مخطط تركيع الجامعة ويسهل تمرير المخططات التخريبية للجامعة.
تعتبر مؤسسة ” مجلس الكلية” مثالا مصغرا للإدارة المخزنية التي تقود البلاد والتي تتميز بالتبعية المباشرة للمؤسسات الفوقية لا يمكن تغييرها عن طريق المشاركة من الداخل حيت تعتبر هاته الأخيرة هدية على طبق من ذهب للمخزن فيطمئن لدخول بعضهم مربعه ويرتاح لأن جميع القرارات التي ستصدر ستلبس لبوس الشرعية الزائفة وستدفع في إطار تشكيل مربع صامت داخل الطلاب.
عبد الرزاق العسراوي