
تمثل الجامعات فضاءً للفكر والعلم، ومنبراً ثقافياً يسهم في الرصد والتحليل النقدي، كما تشكّل قوة اقتراحية قادرة على صناعة السياسات العامة ومجابهة الإشكالات المجتمعية. ولا يمكن أن تؤدي الجامعة أدوارها هذه دون الحركة الطلابية، التي تشكّل رافعة للعمل السياسي من داخل الجامعة وعماداً لإرساء المواطنة وبناء الديمقراطية في المجتمعات. ولقد قدم الطلاب تضحيات جمة في سبيل تقويم المسارات وترشيد الاختيارات السياسية لما يرونه خدمة للمصلحة العامة. ومع ذلك، تواجه الحركات الطلابية تحديات كبيرة في ممارسة عملها السياسي، تتجلّى في الرقابة التي تعيق مناخ الحريات، خصوصاً حرية التعبير داخل الحرم الجامعي.
في المغرب، سجلت الحركة الطلابية تاريخاً من النضال السياسي منذ نشأتها خلال الفترة الاستعمارية، فشهد توالي عدة تنظيمات طلابية، مثل “جمعية الطلاب المغاربة” و”اتحاد الطلاب المغاربة” في فرنسا، إلى أن توج مسار هذه التنظيمات بتأسيس “الاتحاد الوطني لطلبة المغرب” بعد الاستقلال في 26 ديسمبر 1956 في الرباط.
وقد اعتبر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب منذ تأسيسه منبعاً لإنتاج النخب والقيادات ومدرسة للتكوين السياسي والفكري. وقد خاض معارك عديدة بأبعاد مختلفة، تنوعت بين التعليمية منها والثقافية والنقابية والحقوقية، ديدنه فيها المطالبة بالحريات ومواجهة القمع.
ولعل تغول الماكينة المخزنية يقبع على رأس التحديات التي تعيشها الحركة الطلابية، فمع تزايد المتابعات والمحاكمات السياسية وتدهور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمنع والتضييق على الحقوق والحريات واستمرار الاعتداء على حرية الرأي والتعبير؛ تجرعت الحركة الطلابية حظها من كل هذه التضييقات، ما ظهر جليا في المنع الذي طال أنشطتها التوعوية والثقافية، بما في ذلك الملتقيات الوطنية، على رأسها ملتقى القدس الذي يعتبر من أكبر الأنشطة الداعمة للقضية الفلسطينية.
كما أغرض النظام في سياسات نشر الميوعة، فكان أخطر ما يتعرض له الطالب المغربي اليوم هو الهجوم الكاسح لتيار الميوعة الأخلاقية الذي يستهدف الطالب في دينه وخلقه ومروءته. وقد أمست الجامعة مسرحا لحملة شنيعة تروم سلب إرادة الطالب وتشويه فطرته وطمس هويته وتخريب شخصيته الإيمانية المتهممة بقضيته الأخروية وقضايا أمته، وتحريف أخلاقه وإبعاده عن دينه.. كل ذلك أمام صمت الإدارة حينا ودعمها المكشوف أحيانا أخرى، وما الترخيص والدعم المادي الذي تتمتع به حفلات الميوعة داخل أسوار الجامعة، وما يقع من فضائح وجرائم أخلاقية يذهب ضحيتها عشرات الطلبة سنويا في الأحياء الجامعية إلا وجه لما تعرضنا له. بالإضافة إلى هذا فقد سعى المخزن بشكل كبير إلى إفراغ الجامعة من دورها النضالي والتأطيري والسياسي، إذ نجح في إبعاد أغلب الفاعلين من الساحة الطلابية، معتبرا أن الجامعة بؤرة تُصدّر المعارضين لسياساته بالجملة. كما عمد أيضا إلى تضييق الزمن الجامعي، فبعد تقسيم العام الدراسي إلى دورة أولى وثانية أصبح الطالب غير متواجد في ساحات الكلية، منشغلا بفترة الامتحانات التي تأتي كل بضعة أشهر فتليها الامتحانات الاستدراكية ثم العطل. فيصبح الطالب مشتت الحضور غير مدرك لحقوقه وواجباته.
وفي ضوء ما حققته الحركة الطلابية المغربية عبر العقود الماضية من إنجازات وتجارب ومكاسب، تظل هناك حاجة ملحة لإعادة بناء تجربة جديدة، تستجيب للتحولات والمتغيرات التي طرأت على المجتمع المغربي. يجب الالتفاف حول مشترك كبير، والاهتمام به، والحفاظ عليه، وتوجيه الجهود لخدمته وتقويته.
المستقبل الواعد للحركة الطلابية يتوقف على مدى القدرة على إعادة فرض ماهيتها، وصياغة استراتيجية واضحة، وتقديم خطوات عملية وإجابات وبدائل ممكنة. رغم الوضع المتأزم، يجب خلق شروط وحدة نقابية بين مختلف مكونات الساحة الجامعية، مع تقدير رهانات ومتطلبات المرحلة.
من أجل ذلك، يتعين تدبير العامل الذاتي تدبيرا حسنا، والانخراط في حركية المجتمع، وتكثيف التواصل والتمهيد للحوار. فلا شك أن الواقع الاجتماعي والسياسي الحالي يتيح لنا فرصة كبيرة للتواصل وجب استثمارها.