Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الرئيسيةرأي حر

الجامعة المغربية بين مطلب الاستقلالية وأزمة الإصلاح: قراءة في مشروع القانون 59.24

الجامعة المغربية بين مطلب الاستقلالية وأزمة الإصلاح: قراءة في مشروع القانون 59.24

شهد الدخول الجامعي للموسم 2025-2026 بمختلف الجامعات المغربية تعثراً وارتباكاً واضحين، بفعل الإضراب الذي خاضه موظفو قطاع التعليم العالي على خلفية مصادقة الوزارة الوصية على مشروع القانون رقم 59.24 المتعلق بالتعليم العالي، والذي عُرض على أنظار المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 28 غشت 2025. وقد أثارت طريقة تمرير هذا المشروع، في فترة العطلة الجامعية الصيفية ودون إشراك فعلي للفاعلين النقابيين والأكاديميين، الكثير من الانتقادات. وزاد من حدة هذا الاحتقان صدور بيان مشترك عن الطلبة المهندسين وطلبة كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة، إلى جانب الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، في إطار تنسيق موحد عبّر فيه هؤلاء عن استيائهم من صياغة المشروع، مؤكدين أنّه يتسم بالارتجال ويُقصي المكونات الجامعية من المساهمة الفعلية في بلورة الإصلاح. كما شدّد البيان على أنّ أي إصلاح حقيقي ينبغي أن ينطلق من إشراك جميع الفاعلين، وضمان استقلالية الجامعة، وصون الحقوق الأكاديمية والاجتماعية للطلبة والموظفين وهيئة التدريس.

ومن خلال قراءة أولية لمواد المشروع، يتضح أنّه يثير العديد من الملاحظات من حيث الشكل ومن حيث الجوهر، وهو ما يستدعي التوقف عند بعض أبرز النقاط التي تكتسي أولوية خاصة، والمتمثلة فيما يلي:

أولاً: توسيع الوصاية على الجامعة ومجلس الأمناء

يُظهر مشروع القانون الإطار رقم 59.24 من خلال بعض مواده (29 و30 و32 و36) توجهاً واضحاً نحو تكريس الوصاية وتقوية البعد السلطوي في تدبير الجامعة، عبر إقحام أطراف لا تنتمي إلى الحقل الأكاديمي في بنياتها التقريرية. فالمادة 30، مثلاً، تنص على حضور الوالي باعتباره ممثلاً للسلطة الترابية، إلى جانب ممثلين عن السلطات الحكومية المركزية، وشخصيات من عالم الاقتصاد والمهن، وممثلين عن المجتمع المدني، داخل مجلس الأمناء.

هذا الحضور الكثيف للسلطة التنفيذية يقابله تقليص لافت لتمثيلية الأساتذة الباحثين، مع تغييب شبه كامل لرؤساء المؤسسات الجامعية، الذين يقتصر دورهم على المشاركة الاستشارية دون سلطة تقريرية فعلية. والنتيجة المباشرة هي تحجيم موقع الفاعل الأكاديمي داخل الجامعة وتجريده من سلطته الطبيعية، مع تحويل رئيس الجامعة من قائد أكاديمي إلى مجرد سكرتير إداري.

ويزيد من حدة هذا الاختلال ما ورد في المادة 40 التي حصرت مدة انتداب رئيس الجامعة في أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، مقابل ما نصّت عليه المادة 31 بخصوص مدة انتداب رئيس مجلس الأمناء التي هي أربع سنوات قابلة للتجديد مرتين، أي أنّ المشروع في الوقت الذي قيد فيه فترة ولاية رئيس الجامعة، وسّع بالمقابل فترة ولاية رئيس مجلس الأمناء، بما يعكس اختلالاً واضحاً في موازين السلطة داخل الجامعة.

والمفارقة البارزة هنا أنّ هذا التوجه يُقدَّم في الخطاب الرسمي كإصلاح يهدف إلى تحديث الحكامة وتعزيز جودة التعليم العالي، بينما تكشف نصوص المشروع عن منطق مغاير تماماً يقوم على إعادة إنتاج هيمنة المقاربة الإدارية والسياسية، وهو ما يهدد بتقويض استقلالية الجامعة ويجعلها خاضعة لسلطة القرار التنفيذي بدل أن تكون فضاءً حراً للإبداع والمعرفة. وبذلك يمكن القول إن المشروع، في صيغته الحالية، لا يعكس إرادة إصلاح حقيقية بقدر ما يعكس إرادة للسيطرة والضبط المؤسسي للجامعة.

ثانياً: الحرية التنظيمية والنقابية للطلبة تحت الخطر

يُعد الطلبة اللبنة الأساسية في الوسط الجامعي، وقد نصّ القانون رقم 01.00 الصادر سنة 2000، المنظم للتعليم العالي، على مواد صريحة وواضحة (المواد 70 و71 و72) تكفل للطلبة حقوقهم في التنظيم داخل مؤسساتهم الجامعية وتمكينهم من تدبير شؤونهم الداخلية بكل مسؤولية. وقد كان هذا الإطار القانوني بمثابة ضمانة أساسية للحرية النقابية للطلبة، بما يتيح لهم المشاركة الفعلية في صياغة السياسات الجامعية والمساهمة في الحياة العلمية والثقافية والاجتماعية للجامعة.

غير أنّ مشروع القانون رقم 59.24 أقدم على حذف هذه المواد، وهو ما يمثل خطوة واضحة نحو خنق الحرية التنظيمية والنقابية للطلبة. هذا الحذف لا يقتصر على الجانب القانوني فحسب، بل له انعكاسات مباشرة على قدرة الطلبة على المشاركة في اتخاذ القرارات المؤثرة على حياتهم الجامعية. ويُعتبر هذا التوجه تناقضاً صريحاً مع مقتضيات الدستور الصادر سنة 2011، الذي صاغ حماية الحقوق التنظيمية والنقابية للطلبة كركيزة أساسية ضمن منظومة حقوق الإنسان والمواطنة.

إنّ نضالات الحركة الطلابية لأكثر من خمسة عقود كانت تهدف دائماً إلى تحصيل مكتسبات تكفل للطالب داخل الحرم الجامعي الحرية في التعبير والتفكير، وبالتالي فإن حذف المواد (70 و71 و72) من مشروع القانون 59.24 يمثل تصرّفاً صريحاً لضرب هذه المكتسبات عرض الحائط، وينمّ عن تجاهل تاريخ نضالات طلبة المغرب وحقوقهم الأساسية المكتسبة عبر عقود من الكفاح والنضال الجامعي.

 

وعليه، فإن مشروع القانون رقم 59.24 يضع التعليم العالي المغربي أمام اختبار حقيقي لمصداقية خطابات الإصلاح الرسمية. فالجامعات، في ظل هذا المشروع، تصبح مؤسسات خاضعة للهيمنة الإدارية والسياسية، ويُحرم الطلاب من أدوات المشاركة الفعلية في تدبير حياتهم الجامعية والدفاع عن مصالحهم. كما أنّ تقييد حرية التنظيم والنقابات الطلابية يقوّض دور الفاعل الأكاديمي ويضعف المناخ الديمقراطي الضروري للابتكار والإبداع داخل الجامعة.

ويصبح الحفاظ على استقلالية الجامعات وضمان مشاركة الطلاب والأساتذة في الحياة الجامعية ليس مجرد مطلب تنظيمي، بل ضرورة استراتيجية للحفاظ على جودة التعليم والبحث العلمي، وتعزيز القيم الديمقراطية داخل الفضاء الجامعي. ومن دون إصلاح حقيقي يحترم المكتسبات القانونية والدستورية، ستظل الجامعات المغربية مهددة بفقدان دورها كمنابر للإبداع والمعرفة، وسيصبح أي حديث عن “إصلاح التعليم العالي” مجرد شعار شكلي يخلو من أي أثر عملي، مهدداً مستقبل الأجيال القادمة من الطلبة والباحثين، وناقصاً من أي رؤية تنموية حقيقية للمغرب.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى