البكالوريوس: إعادة إنتاج أزمة الجامعة المغربية
هيئة التحرير
كان للجائحة دور في أن تنكشف الشعارات الرسمية الرنانة حول قطع الوزارة لأشواط في مسلسل “إصلاح” قطاع التعليم بالمغرب والنهوض به واستعدادها لمسايرة ومواكبة عصرنا الحالي، والتي كانت تحاول غير ما مرة تصويرها عبر الإعلام الرسمي على أنها الحل القريب والعصا السحرية لمشكل المنظومة التعليمية.
فالمتتبع لمسار “إصلاح” التعليم العالي المغرب منذ سبعينات القرن الماضي (ظهير 25 فبراير1975) إلى غاية إصدار القانون 01.00 سنة 2000 الذي يعتبر الإطار القانوني لتنزيل الميثاق في شق التعليم العالي، يجزم على أن سبب الإخفاق يكمن أساسا في نوع المقاربة المعتمدة تخطيطا وتدبيرا وتنزيلا.
التعليم بالمغرب حقل تجارب بالتناوب
بالرجوع إلى مشاريع وإصلاحات القرن الماضي؛ سنجدها على الورق تضمنت أمورا جيدة وإيجابية؛ لكن المقاربة المعتمدة حكمتها في أغلب الأحيان هواجس ضيقة؛ تنوعت بين ما هو مادي وما هو أمني؛ أنتجت بعد ذلك رفضا مطلقا لا يفرق بين ما هو إيجابي وبين ما هو سلبي، وفي كثير من الأحيان تمت مقابلة ذلك الرفض بفرض فوقي دون مراعاة الواقع والإمكانات، لنكتشف مرة بعد أخرى أن الكثير مما تم إقراره من مضامين لم يُطبق، وهو الأمر ننفسه الذي أقرَّه وأكده تقرير “إصلاح التعليم العالي… آفاق استراتيجية”، الصادر عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، كون “العديد من القرارات التطبيقية للقانون 01.00 لم تر النور”.
والغريب في الأمر أنه ورغم اعتراف أعلى سلطة بالبلاد بفشل تجارب الإصلاح السابقة؛ إلا أن الوزارة الوصية على قطاع التعليم العالي بالمغرب لا زالت مصرة على تكرار نفس الأخطاء المنهجية، واعتماد نفس المقاربة فيما يتعلق بنظام البكالوريوس.
الأمر ذاته أكده الاتحاد الوطني لطلبة المغرب غير ما مرة، إذ لفت في بيان “من الإجازة إلى البكالوريوس.. التعليم بالمغرب حقل تجارب بالتناوب” إلى أن المجال سيبقى مفتوحا أمام تكرار النتائج المخيبة نفسها في ظل الغياب التام لأي دراسات دقيقة تقيم الحصيلة السابقة لنظام الإجازة، وغياب آليات مضبوطة للمحاسبة والمتابعة والتقييم والتطوير. مشيرا إلى أن المقاربة المعتمدة وللأسف الشديد يحكمها الارتجال والاستعجال والعبث، كون الوزارة لم تشرك المعنيين بالتعليم العالي في مناقشة نظام البكالوريوس والتخطيط له. فالوزير المعني بالقطاع تحدث غير ما مرة عن اعتماد المقاربة التشاركية، مشيرا إلى أنه تم تنظيم لقاءات واجتماعات أبرزها اللقاء الوطني للإصلاح البيداغوجي يومي 2 و3 أكتوبر2018 بمراكش. لكن الواقع يقول شيئا آخرا، ويؤكد على أن دائرة الإشراك كانت شكلية؛ واقتصرت فقط على رؤساء الجامعات، علما أن المسألة تهم كل الأساتذة؛ وإشراك عدد أكبر منهم.
تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي المشار إليه سابقا يتحدث عن “إشراك الطلبة في تقييم التعلمات” و “تعزيز إشراك الطلبة في تطوير حياة جامعية”، لكن وللأسف الشديد لم تكن أية محاولة لإشراك الطلبة في مناقشة وتقييم واقع التعليم العالي، ولم يُهتم برأيهم بخصوص نظام البكالوريوس، بل تم التمادي في إقصائهم عبر منع ندوة صحفية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب كان من المنتظر التعبير فيها عن موقف ممثلي الطلبة بخصوص نظام البكالوريوس.
وما يزيد الطين بلة أن الخطابات الرسمية في كل المناسبات تنطلق من إحصاءات تعكس واقع تعليمنا العالي. فـ 47.2 في المائة من طلبة المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح ينقطعون عن الدراسة دون الحصول على أي شهادة، 16.5 في المائة ينقطعون في السنة الأولى، و13.3 في المائة فقط هم من يحصلون على الإجازة في مدة 3 سنوات، ناهيك عن الانقطاع والتكرار الذي يُكلف تكلفة تسيير إضافية تقدر ب 3,746 مليون درهم سنويا، وكذا ضعف المستوى البيداغوجي والمعرفي بشكل عام … إلخ.
هذا واقع يشهد به الجميع ولا يمكن تغطيته، لكن تصوير نظام البكالوريوس على أنه العصا السحرية التي تقطع مع الواقع المشار إليه سلفا؛ فيه نوع من الاستبلاد لعقول الناس، وخصوصا المهتمين بالشأن الجامعي.
إعداد:
هيئة تحرير موقع الاتحاد