تعد الحركة الطلابية في المغرب ركيزة أساسية للمشهد الجامعي والنقابي، بل وحتى السياسي. وتشكل الانتخابات الطلابية إحدى أبرز محطاتها التنظيمية، إذ تُجرى سنويًا في ما يقرب من 30 مؤسسة جامعية. ولا تقتصر هذه العملية على كونها تقليدًا تنظيميًا كلاسيكيًا، بل تُجسد ممارسة ديمقراطية تهدف إلى تمكين الطلبة من اختيار ممثليهم بحرية، بما يعكس إرادتهم الجماعية ويسهم في تعزيز العمل النقابي داخل الجامعة. ومع ذلك، تُثار تساؤلات مستمرة حول جدوى هذه الانتخابات ومدى قدرتها على تحقيق أهدافها المرجوة. من خلال هذا المقال، سنحاول تناول الأسئلة التالية: على أي أسس تُنظم الانتخابات الطلابية؟ وما قيمتها المضافة في المشهد الجامعي؟ وكيف يمكن أن تكون وسيلة لتوحيد الصف الطلابي وتعزيز الفعل النقابي الهادف؟
الأساس التنظيمي للانتخابات الطلابية:
الانتخابات الطلابية تُنظم بناءً على مقررات المؤتمر الوطني السادس عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذي انعقد بالرباط ما بين 31 غشت و6 شتنبر 1979، والذي يُعد آخر مؤتمر ناجح للاتحاد. ووفقًا لمخرجات هذا المؤتمر، فإن الوثائق التنظيمية الصادرة عنه لا تزال تشكل الإطار القانوني والتنظيمي الذي يستند إليه العمل التنظيمي للمنظمة حتى اليوم. لذا، فإن الالتزام بمقررات هذا المؤتمر يُعد ضمانًا لشرعية عمل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
الانتخابات الطلابية تجسيد لمبادئ أوطم الأربعة:
الانتخابات الطلابية في المغرب تُجسد التزامًا عمليًا بالمبادئ الأربعة التي تأسس عليها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وهي:
الديمقراطية:
تمثل الانتخابات الطلابية التطبيق العملي لهذا المبدأ، حيث تُتيح للطلبة فرصة اختيار ممثليهم بحرية ونزاهة. تساهم هذه الآلية في تعزيز ثقافة التشاركية والديمقراطية داخل الجامعة؛ فهي تربّي وتعلّم وتدرّب، والانتخابات جزء من الدور التدريبي الذي تقوم به نحو الطالب؛ لتؤهّله للمشاركة في الحياة العامة بفاعلية، وتعزز لديه روح الديمقراطية.
الجماهيرية:
العملية الانتخابية مفتوحة أمام جميع الطلبة، سواء باعتبارهم مرشحين أو ناخبين، مما يجعلها أداة جماهيرية تُرسخ مبدأ الانتماء الجماعي لمنظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وتُعزز مشاركة الجميع في صنع القرارات وافتراح برامج العمل.
الاستقلالية:
تتيح الانتخابات الطلابية اختيار قيادات طلابية نابعة من صفوف الطلبة أنفسهم، مما يعزز استقلالية القرار الطلابي ويحد من أي تدخلات خارجية قد تُضعف هذا الاستقلال، وتُوجه الخط النقابي لمنظمة الاتحاد.
التقدمية:
الانتخابات تُعتبر وسيلة لاختيار قيادات طلابية ذات وعي ونضج ولها القدرة على تبني القضايا العادلة على المستويين المحلي والدولي، تعزيزا لقيم العدالة الاجتماعية والمساواة والحرية داخل الفضاء الجامعي وخارجه.
أهمية الشرعية الانتخابية
يُعرِّف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب حسب أوراقه التنظيمية باعتباره منظمة تمثل كل الطلبة المغاربة داخل الوطن وخارجه أمام المؤسسات الإدارية والحكومية وغيرها. وبناء على ذلك، لا يمكن القبول بتمثيل الطلبة من قِبل أفراد لم يتم اختيارهم عبر صناديق الاقتراع. فالشرعية تستمد قوتها من التصويت الحر الذي يُعتبر الضامن الأساسي لتمثيل إرادة الطلبة بشكل ديمقراطي وشفاف.
أهمية الانتخابات الطلابية
يُعَدُّ النقاش حول جدوى تنظيم الانتخابات الطلابية في المغرب مشروعًا إلى حدٍّ كبير، خاصة في ظل المشهد السياسي المتأزم الذي تعيشه البلاد. فلا يختلف اثنان اليوم على واقع الانتخابات الرسمية، التي أصبحت في نظر الكثيرين مسرحية تُدار بتزويرٍ ممنهج، وتتحول إلى موسم لبيع وشراء الأصوات. هذه العملية، التي تُنتج مؤسسات وقيادات تُكرس الفشل في مختلف المجالات، كما تُؤكد ذلك تقارير رسمية.
أما على المستوى الجامعي، فإن النظر إلى جدوى الانتخابات الطلابية يتطلب استحضار عدة زوايا، أبرزها:
الانتخابات الطلابية: فرصة لتطوير الوعي السياسي والنقابي
تُعد الانتخابات الطلابية تجربة حيوية تتيح للطلبة ممارسة الديمقراطية بشكل عملي، مما يسهم في تعزيز وعيهم السياسي والنقابي. فالجامعة، فضلاً عن كونها مؤسسة أكاديمية، هي أيضًا بيئة حيوية لتكوين قيادات طلابية قادرة على فهم تحديات المجتمع والمساهمة في حلها. من خلال هذه التجربة، يتعلم الطلبة مهارات اتخاذ القرار الجماعي والقيادة التشاركية، مما يساهم في تأهيلهم للعب دور فاعل في الحياة العامة والمساهمة في بناء مجتمع ديمقراطي متقدم.
توحيد الصف الطلابي
رغم التباينات الفكرية وأحيانًا الانشقاقات التنظيمية التي تعصف بالجسم الطلابي، يمكن أن تشكل محطة الانتخابات فرصة لتوحيد الجهود، شريطة التزام جميع الفصائل والمكونات الطلابية بمستوى عالٍ من النضج وروح المسؤولية. إذا تم تغليب المصلحة الجماعية ومصلحة الطلبة على الحسابات الفئوية الضيقة، فقد تكون هذه الانتخابات مناسبة لإحياء دور الاتحاد الوطني لطلبة المغرب التاريخي في تأطير وتوحيد جهود الطلبة. هنا، يصبح الحوار وتقبل الآخر ونبذ العنف عوامل أساسية لتجاوز الخلافات، خدمةً لمستقبل الجامعة وصونًا للحقوق الأساسية للطلبة.
تعزيز المسؤولية النقابية
تُمنح المكاتب والهياكل المنتخبة شرعية تمثيل الطلبة، مما يُلقي على عاتقها مسؤولية الدفاع عن حقوقهم وتأطيرهم لتحقيق مطالبهم. هذه الشرعية، التي تستند إلى ثقة الطلبة بصناديق الاقتراع، تُمكن القيادات المنتخبة من ممارسة أدوارها النقابية بفعالية. ويُفترض في هذه القيادات أن تتحلى بروح المسؤولية، وأن تنشغل بصدق وإخلاص في القضايا المصيرية للطلبة، بما يعزز أدوارهم التمثيلية ويحقق تطلعات من وضعوا ثقتهم فيهم.
بناء قوة تنظيمية محلية ووطنية متماسكة
تعد الانتخابات ضمانًا لاستمرارية الهياكل التنظيمية المحلية والوطنية، مما يعزز قدرة الاتحاد الوطني على اتخاذ قرارات موحدة وفعالة. يساهم التنسيق بين المستويين المحلي والوطني في تحقيق أهداف الحركة الطلابية بشكل أكثر تأثيرًا وتنظيمًا، ويضمن تناغم الجهود وتوجيهها نحو الأهداف المشتركة. وعلى الرغم من أهمية تطور الجهود النقابية المحلية، فإن توحيد هذه الجهود ضمن هياكل وطنية متماسكة يُعد أمرًا ضروريًا لضمان التنسيق الفعّال وتعزيز قدرتها على التأثير على المستوى الوطني.
ختامًا، لا تُعد الانتخابات الطلابية هدفًا في حد ذاتها، بل هي أداة أساسية لتطوير فعالية الحركة الطلابية وتعزيز قدرتها على التأثير في الجامعة والمجتمع. تكمن قيمة هذه الانتخابات في تعزيز وعي الطلبة بأهمية العمل النقابي، وإيمانهم العميق بالدور الحيوي الذي يلعبونه في رسم ملامح المستقبل. ولرفع مردودية هذا الحدث الطلابي، يتطلب الأمر رغبة صادقة من جميع الفصائل الطلابية لتوحيد الجهود، إلى جانب التزام القيادة الطلابية المنتخبة بمبادئ الاتحاد وقضايا الطلبة. وبين هذا وذاك، يظل الواقع الطلابي المعاش حافزًا قويًا يدفعنا لبذل المزيد من الجهد الفكري والتنظيمي والميداني، لتحقيق الأهداف المنشودة وبناء مستقبل طلابي أكثر تأثيرًا وفاعلية.