
ما زالت أصداء ما حدث في جامعة مولاي إسماعيل بمكناس تتردد داخل الأوساط الطلابية والحقوقية، بعد أن تحول نشاط طلابي ثقافي إلى مشهد أمني مكثف، يعيد إلى الأذهان صور المنع والتضييق التي باتت مألوفة داخل الجامعة المغربية. مشهد لا يعكس سوى هشاشة التعامل الرسمي مع كل تعبير حر داخل فضاء يُفترض أن يكون حاضنة للفكر والنقاش والتكوين .
في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، قرر مكتب فرع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بمكناس تنظيم نشاط توعوي ثقافي، يتناول قضايا من صميم الواقع الاجتماعي والسياسي، ويمنح الطلبة فرصة التعبير وتبادل الرأي، ضمن روح من الانضباط والاحترام. غير أن هذا التحرك البسيط قوبل بإنزال أمني مكثف، ومنع صارم من الولوج إلى الحرم الجامعي، وكأن الخطر القادم هو جيش لا مجموعة من الطلبة يسعون لممارسة حقهم في الكلمة.
الرئاسة، ومعها إدارة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، بررت هذا المنع ببلاغ يتحدث عن “غياب الترخيص” وعن “عدم تسجيل بعض الطلبة بكيفية قانونية”، في محاولة لتغليف قرار المنع بغلاف قانوني هش. لكن السؤال الجوهري يظل مطروحا: متى كان التفكير الحر والنقاش العلني يحتاج إلى إذن من مصلحة الشؤون الطلابية؟ ومنذ متى صار الطالب مطالَبا بإثبات هويته كي يُعبر عن نفسه داخل فضاء هو بطبيعته عمومي وتكويني؟
ما وقع في مكناس ليس معزولا عن سياق أوسع من المنع والقمع طال عددا من جامعاتنا خلال السنوات الأخيرة، بدءاً من جامعة ابن طفيل بالقنيطرة سنة 2022، مروراً بجامعة الحسن الثاني عين الشق بالدار البيضاء سنة 2023، ثم جامعة عبد المالك السعدي بتطوان سنة 2024. واليوم، تلتحق جامعة مولاي إسماعيل بنفس اللائحة السوداء، ضمن مسار واضح لتجريد الفضاء الجامعي من طبيعته و روحه الحيوية.
الأنشطة التي ينظمها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب لا تستهدف الفوضى ولا تسعى للصدام، بل تندرج في إطار الوعي الطلابي بقضايا المجتمع. إنها أنشطة ثقافية وتربوية، تتناول قضايا متعددة؛ تعنى بالمشاكل التي تهم الطالب وتؤثر في مساره الدراسي والنضالي، وتفتح النقاش حول عدد من المواضيع التي تمس الحياة الجامعية، وتلامس أيضا قضايا أوسع من بينها القضية الفلسطينية، التي لا تزال راسخة في وجدان الاتحاد كقضية مركزية، رغم موجات التطبيع ومحاولات الطمس المستمرة.
اللافت في الأمر أن الدولة، عبر أجهزتها المختلفة، لا ترتبك أمام العشوائية، بل أمام التنظيم. لا تخشى الشغب، بل تخاف الانضباط. لا تنزعج من الفوضى، بل تتوجس من الكلمة التي تقال بعقلانية ووضوح. والمضحك المبكي أن الطالب الواعي، المنخرط في قضايا وطنه وأمته، بات يُعامل كمصدر خطر، يستوجب الإنزال الأمني والمساءلة القانونية.
إن هذا النهج لا يسيء فقط إلى صورة الجامعة، بل يضرب في العمق كل محاولات الإصلاح والتأطير. لأن الجامعة التي يُمنع فيها النشاط الثقافي الحر، وتُحاصر فيها الكلمة الحرة، هي جامعة تُسحب منها روحها، وتُفرغ من معناها الحقيقي.
إن ما وقع بمكناس يفرض على الجميع وقفة ضمير. فحرية التنظيم والعمل النقابي ليست امتيازا، بل حق مكفول. والحرم الجامعي ليس ثكنةً عسكرية، بل فضاء للتعبير والتفكير. وما يواجهه الاتحاد الوطني لطلبة المغرب اليوم من تضييق واستهداف، ما هو إلا شهادة جديدة على قوة حضوره، ووضوح خطابه، ومركزيته في الدفاع عن قضايا الوطن والأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي تظل عنوانا ثابتا في مشروعه التربوي والنضالي.
نعم، ما زال الاتحاد يربك حسابات “المخزن”، لأنه لم يُفرّط في خطه الواضح، ولم يخضع لمعادلات التوازن الهش، ولم يساير موجة الترويض التي طالت مؤسسات كثيرة. لذلك، فإن استهدافه هو استهداف لصوت الطلبة، ولمعنى الجامعة، ولأمل المجتمع في جيل حر، واعٍ، ومؤمن بالتغيير.