حياة، تفتح عينيها لتجد واقعا مرا، تكبر وتصبح طالبة في يوم من الأيام أملا في مستقبل يمكن أن يخفف من وطئة واقع قد أرهقه الصبر. في يوم من الأيام رأت عيناها فرصة سولت لها نفسها أنها لن تتكرر رغم أنها تبدو محاطة بالثقوب السوداء وهي تركب أحد تلك الزوارق وتطلب حظها أن تلتقي باليابسة في الضفة الأخرى، فماذا كان الرد ؟ ثلاث رصاصات أردتها قتيلة هي وأحلامها في مكان حمل جثثا كانت يوما أرواحها تحلم بالتغيير. حياة هي مجرد اسم ربما يكون بداية لنهاية قريبة أو لا شيء عدى اسم عابر تناطقه الألسن أياما معدودات لتجد ما يشغلها أياما أخرى.
سياق هذا الحدث الفاجع والمؤلم كان في جامعة عبد الملك السعدي، جامعة ككل الجامعات أرهقتها مشاكل منها الزيادة في ثمن النقل، الاكتظاظ الذي تعاني منها منذ سنوات، صعوبات وشروط لا مبرر لها تفرضها الإدارة على الطالب للتسجيل. كلها عوامل تطرح أسئلة ليس من قبيل هل سيتحمل هذا الطالب في هكذا ظروف؟ بل إلى متى سيطول صبره وصمته في ظروف لا تبت للإنسانية بصلة؟ حياة واحدة من آلاف قرروا التغيير بطريقتهم الخاصة بعد أن رءوا مستقبلا يشوبه السواد في حاضر محسوبة نتائجه سلفا.
إن معظم من ينوون الهجرة يكونون قد هجروا الوطن على المستوى الشعوري، و يظل حالهم هكذا حتى لو ظلوا سنوات ينتظرون الفرصة للرحيل. فتكون النتيجة الفعلية أننا نعيش في بلد فيه الملايين من المهاجرين بالنية أو الذين رحلوا من هنا بأرواحهم و لا تزال أبدانهم تتحرك وسط الجموع كأنها أبدان الموتى الذين فقدوا أرواحهم ولم يبق لديهم إلا الحلم الباهت بالرحيل النهائي.
هل يمكن أن يقال أن مثل هؤلاء الشباب خائنون للوطن ؟ هل نحرف مفهوم الوطنية إلى قبول كل ما يفرض والهتاف له ؟ هل الخائن هو ذاك الذي قرر الهرب من هكذا ظروف ؟ هل أصبح المواطن بين خيارين وهما الموت البطيء أو الموت السريع ؟
حياة مجرد مثال شاء القدر أن يظهر للعيان ليترك لنا مجالا جديدا يفتح ويغلق إبان أي حدث وهو طرح أسئلة حول سياسات هذه الدولة تجاه أبنائها، وكذلك رد فعل الشعب تجاه مثل هذه الأحداث والتي ،كنتيجة للتراكم، تصبح سهلة الأخذ والرد وسريعة النسيان.