إنها الساعة الثالثة بعد منتصف الليل ،لحظة الصفاء و السكينة ،و أنا مستلق على الارض أفترش حصيرا و ألتحف سقف “البيت” غطاء لجسدي النحيف ،في رحلة البحث عن النوم الذي أنتظر قدومه منذ زمن، منذ أن كنت صغيرا –عندما كنت بعيدا عن بؤس الحياة- عله ينسيني طول البؤس الذي أعيشه مد وطئت قدماي الجامعة .بؤس الحياة و هم العيش و الفقر الذي كاد ان يكون كفرا ..
لقد انطفأت شمعتي بعد طول سهرها معي، ،شمعة تقيني ثرثرة صاحبة المنزل التي أكتري عندها بيتا صغيرا –علبة كبريت إن صح المقاس- من أجل اطفاء نور المصباح مبكرا حتى لا استهلك مزيدا من الكهرباء يثقل فاتورة آخر الشهر.ظلمة ،بؤس و أفكار تتدفق و تنساب كانسياب المياه الجارية تبحث عن مخرج كلما صادفت سدا يعيق حركتها .بؤس و وحشة يدخلانك متاهة الحياة بين برودة لا غطاء لها ،و جوع لا مفر منه و غد يغشاه ظلام حالك.
غفت عيناي و لم استيقظ إلا على صوت المنبه وصوت صديقي محمد يناديني يا سعيد – إ سم لم أحمل منه غير الاسم – إنها الساعة السادسة صباحا ،و مرة أخرى لم أستيقظ لصلاة الفجر الذي كنت مواظبا عليه قبل قدومي إلى الجامعة ،كيف لجائع تاهت به الأفكار بين حاضر بائس و مستقبل دامس أن يستيقظ للصلاة والنوم سبيله الوحيد إلى نسيان بؤسه .أليس الفقر كفرا أو كاد أن يكون كفرا .
يجب أن استعد للذهاب إلى الجامعة. أغسل وجهي فقط فلا ملابس لي حتى أغيرها ،سروالي المرقع الذي لا تكاد تتعرف على جيوبه من ثقوبه أنام و أدرس به ،و إن اتسخ أغسله و أنتظره إلى أن يجف . بعد ذلك أمتطي قدماي من أجل الذهاب ،إذ لا سبيل إلى ركوب الحافلة ،فدراهمي قليلة لا تتعدى عدد اصابع رجلي التي تورمت في طريق “البحث” عن العلم ، أي طلب للعلم و لقمة العيش سراب يخادع عيناي اللتان لم تستيقظا من سكرهما بعد ليلة ساهرة.
أخيرا وصلت إلى الجامعة- مجتمع مصغر بجميع تناقضاته- حيث الفوارق الاجتماعية تظهر في أصغر تجلياتها ،بين من يشاركونني بؤسي و بين من يعيش منعما لا خبر له عما يعانيه أولئك الذين يعيشون في الأسفل(الفقراء) ،بين من تورمت قدماه مشيا إلى الجامعة و بين من يأتي راكبا على سيارته، التي لا تكاد تألفها حتى يغيرها في الشهر المقبل .
متناسيا كل هذا دخلت إلى القسم ،حيث تناقل الأفكار أو لنقل نقل الأفكار ،إذ الأستاذ هو من يلقي الدرس دون تفاعل مع الطلاب، أسلوب أصيل قديم أكل الدهر عليه و شرب ،تعليم يخرج آلات لنسخ و تكرار الأفكار ،و لا خبر عن تكوين عقل ناقد مستفسر يعيد إنتاج أفكار جديدة .افكار تدور داخل أسوار الجامعة و لا خبر عما يدور بالخارج من أفكار جديدة. .
انته وقت الحصة، و كعادتنا في الأسابيع القليلة الماضية نجتمع في ساحة الجامعة نتساءل هل هناك من جديد حول المنحة المالية –بالرغم من ضآلتها إذ لا تكفي حتى لسد مصاريف الكراء وبعض الحاجيات- لنعود خائبين بعد ذلك إلى بيوتنا مشيا على الأقدام متجاذبين أطراف الحديث علنا ننسى بعض مآسينا .
وصلت إلى بيتي الصغير، منطلقا في البحث عما يسد رمقي بعد ان أنهكتني الطريق، فلم أجد غير بعض الخبز و الشاي من بقايا طعام ليلة الأمس ،بقايا آكل منها فقط ما يلهي معدتي عن على أوثار أمعائي و أترك جزءا من للعشاء .أمسكت بعد ذلك كتابا أبحر بين دفتيه عله ينسيني ما أعيشه من ألم و قصوة الحياة ،و ينمي فكري الذي اصابه الخمول نتيجة المنهجية التي يدرسوننا بها في الجامعة ،إلى أن نامت عيناي من شدة التعب حتى استيقظت في الصباح متوجها إلى الجامعة.
و تستمر الحياة…