أساتذة جامعيون وإطارات طلابية يلتئمون في ندوة وطنية لتقييم التدبير الرسمي للتعليم العالي في زمن الجائحة
في سابقة من نوعها، التأم أساتذة جامعيون ومهتمون بالشأن الجامعي وإطارات طلابية في ندوة وطنية عن بعد مساء يوم الثلاثاء 09 مارس 2021 لمناقشة وتقييم تدبير الجهات المسؤولة على التعليم العالي في ظلِّ جائحة كورونا.
الندوة التي تم فيها التفصيل في مشاريع الوزارة ومشاكل المنظومة؛ بما فيها سياق وخلفيات الإعداد للمشاريع ومنهجية تنزيلها ومضمونها الإيجابي والسلبي (البكالوريوس- التكوين الطبي- التكوين الهندسي)، شارك فيها كل من العضو السابق بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي وعضو اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي؛ الدكتور عبد الكبير بلاوشو، وعضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي الدكتور مصطفى الريق، والكاتب الوطني لطلبة المغرب؛ الطالب صابر إمدنين، والمنسق الوطني للتنسيقية الوطنية للطلبة المهندسين؛ الطالب محمد أمين أوعدي، وكذا عضو اللجنة الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة؛ الطالب سعد مازوني.
واعتبر الدكتور عبد الكبير بلاوشو أن التعليم عن بعد -تقنية التدريس عن بعد- في زمن الجائحة هو مثال صارخ ونموذج فاضح للاستدلال على المفارقات والتفاوتات الاجتماعية والمجالية. مضيفا أن هذه المفارقات والتفاوتات ستبقى شاهدة على عدم تكافؤ الفرص، وعدم القدرة على تنزيل قيمة الإنصاف في حالة الاستثناء.
وأكدَّ عضو اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي إلى أن ما تم اعتماده خلال الجائحة ليس تعليما عن بعد، وإنما هو تقنية فقط للتدريس عن بعد، مشيرا إلى أن التعليم عن بعد له مراجع ومناهج وأدوات بيداغوجية. “ما تم تقديمه لحدود الساعة هي برامج تلفزية وفقط” يضيف المتحدث ذاته.
الأمر ذاته أكده الطالب محمد أمين أوعدي، المنسق الوطني للتنسيقية الوطنية للطلبة المهندسين، مشيرا إلى أن “التعليم عن بعد ليس وليد ظروف الجائحة، بل هي تجربة عالمية برزت سنتي 1993 و1994 في الولايات المتحدة الأمريكية، واليابان وفي غيرها من الدول الأخرى، كان بطبيعة الحال لهذه التجربة مشاكل وصراعات، تم إيجاد حلول لها والخروج بصيغة ملائمة لتكوين وتدريس الطلبة”.
“لكن المغرب مع الأسف، اتخذ التعليم عن بعد كصيغة رسمية للدراسة، في حين أن الدول الأخرى تعتبرها مكملة، وخاصة فيما يتعلق بالتكوين الهندسي الذي يحتاج إلى التطبيق وكل ما هو تقني بشكل كبير” يضيف المنسق الوطني للطلبة المهندسين.
من نفس الزاوية أوضح الطالب سعد مازوني، عضو اللجنة الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة أن “الاختلالات التي يشهدها التعليم العالي عموما والتكوين الطبي على وجه الخصوص، يعلمها الجميع، وما يؤكدها هو الإضرابات التي يخوضها طلبة الطب، ومدارس الهندسة، وأساتذة التعاقد، فكل هذا يثبت وجود اختلالات قبل وجود ورش التعليم عن بعد الذي فرضته الجائحة وكشف حجم المشاكل التي يعانيها قطاع التعليم العالي“.
وأضاف مازوني أن التكوين الطبي شأنه شأن التكوين الهندسي، “يمتاز بوجود ازدواجية متساوية بين ما هو نظري وما هو تطبيقي”، معتبرا أن الجانب التطبيقي يبقى أكبر تحد يواجه الطلبة الأطباء منذ توقيف الدراسة يوم 16 مارس 2020، ويعرف اختلالات كبيرة ينبغي التدخل الفوري لمعالجتها”.
في حين، اعتبر الكاتب الوطني لطلبة المغرب، الطالب صابر إمدنين، أن تقييم التدبير الرسمي للتعليم العالي خلال الجائحة ينطلق من مؤشرين هما تكافؤ الفرص والجودة. لافتا إلى أنه يصعب الحديث عن العملية التعليمية وعن استفادة جميع الطلبة من مواكبة التعليم عن بعد، إذا لم يتم توفير الوسائل الإلكترونية والانترنيت المجاني للطلبة. مشيرا إلى أنه يصعب كذلك نجاح العملية التعليمية إذا لم يتم تأهيل الأساتذة تأهيلا رقميا. “الأمر التي انعكس على تكافؤ الفرص” يجيب إمدنين.
“التعليم عن بعد تحول إلى وسيلة للإقصاء وتكريس الطبقية وتفاوت في التكوين بغض النظر عن الجودة. فالوزارة تقامر بمستقبل الطلبة من خلال سوء تدبير الامتحانات وسوء تدبير الأحياء الجامعية التي لا زالت مغلقة لحدود الساعة، مع السماح للإقامات الخاصة بالاشتغال” يضيف الكاتب الوطني لأوطم.
وأشار الدكتور مصطفى الريق إلى أن الجهات المدبرة تتحمل كامل المسؤولية، “غير أننا في حقيقة الأمر أمام وزارات شكلية وحكومة لا تحكم بل محكومة، ما يدفعنا إلى التساؤل عن الجهة المدبرة فعلا لهذا الورش الحساس”.
وجوابا على سؤال كيفية التدبير للتعليم عن بعد في اللحظتين الاستثنائية والعادية؟ أكد الريق على أن التدبير يتقدمه تخطيط مسبق ورؤية واضحة تجسد المشروع المجتمعي الذي يسمح بحسن تدبير الاوراش ومنها منظومة التربية والتعليم”.
كما لفت المتحدث نفسه؛ وهو عضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي، إلى أن الخطير في الأمر هو سعي الوزارة ومحاولتها ترسيم التعليم عن بعد ليصبح معتمدا رسميا، “وهو ما رفضته النقابة الوطنية للتعليم العالي، واعتبرت عدم إمكانية اعتماده كبديل للتعليم الحضوري في أي حال من الأحوال”. معتبرا أن ذلك تكريس نوع للسلطوية من أجل تمرير بعض المشاريع منها كالتعليم عن بعد، والاقتطاع باسم التضامن والتطبيع، ومشروع البكالوريوس… ..
وأضاف الريق إلى أن البكالوريوس من بين إحدى المشاريع التي تسعى الوزارة وتصر على تمريرها، وما اعتمد من أسباب لتمريره غير مقنعة، وهو تجسيد حقيقي للتدبير الأحادي للجهات الرسمية، من خلال “تغييب الفاعلين في قطاع التعليم العالي من أساتذة ونقابات وطلبة في مقابل استحضار كيان وهمي يُسَمَّى (ندوة رؤساء الجامعات وشبكة العمداء)”، مشيرا إلى أن الرؤية الواضحة غابت مع غياب تقييم النظام السابق LMD، فإذا كان النظام السابق قد فشل فمن الذي يتحمل المسؤولية في ذلك. يضيف عضو نقابة الأساتذة.
أين يكمن الخلل ونحن نراكم أربعين سنة من الإصلاح؟ يشير الدكتور عبد الكبير بلاوشو إلى أن الخلل يكمن في تغييب العقل الاستراتيجي، وغياب إرادة سياسية وإدارة مهنية، وغياب المعيار المادي والتربوي، مع سيادة الأنا وشخصنة المشاريع، وهيمنة سياسية التملك والتحكم التي لم نقطع معها لحدود الساعة.
“لا يمكن لعاقل أن يكون ضد الإصلاح ولكن أي إصلاح وبأي شكل؟”، فالمرء لا يمكنه أن يرى الواقع وهو أعمى، لأن الواقعية تقتضي مقاربة الواقع من خلال مساءلة المواقع، فالمسألة مسألة قرارات تم تنزيلها بقوة الأنا، وليس بقوة التشاور والحوار والاستماع” يضيف العضو السابق بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.
فقبل الحديث عن مشروع البكالوريوس والبدء في تنزيله، يؤكد الدكتور بلاوشو على محاسبة من أسس وأشرف على نظام LMD، لأنه الخطاب كان قبل تمرير نظام “الإجازة-ماستر-دكتوراه” هو نفسه يتكرر من أجل تمرير البكالوريوس. مشيرا إلى أن “الإشكالات المرتبطة بالتعليم العالي واضحة وضوح الشمس، فهي متجلية في الهدر، والاكتظاظ، وضعف البنيات، والعنف المعنوي السائد. فالتعامل مع الجامعة ينبغي أن يأتي احتراما لدورها ووظيفتها داخل المجتمع”.
بدوره تساءل صابر إمدنين الكاتب الوطني لأوطم على سبب إصرار الجهات الوصية على التعليم العالي على اعتماد نفس الطريقة والمنهجية وارتكاب نفس الأخطاء التي تأخذ تسمية في كل مرة. مشيرا إلى أنه لا يمكن اختزال إصلاح التعليم العالي في استنساخ تجارب الدول الغربية والاستجابة لإملاءات الدول المانحة. ومؤكدا على رفض طلاب المغرب الاستمرار في صناعة الفشل عن سبق إصرار وترصد.
وبخصوص التكوين الهندسي، أكد الطالب محمد أمين أوعدي على أن مشروع 10 آلاف مهندس الذي أطلقته الدولة، يبقى مشروعا مهما وطموحا، لكن الواقع المعاش وسوق الشغل والملائمة بين العرض والطلب يؤكد حجم الصعوبات والاختلالات. موضحا الوزارة أقدمت على الزيادة في عدد المقاعد، نتج عنه مشكل الاكتظاظ، وبالتالي تدهور التدريس والتأطير وتأهيل الطالب. “هذا المشروع يجب أن يحظى بدراسة معمقة لتحديد أهدافه، ومدى قدرة الاقتصاد الوطني على استيعاب كم الخريجين” يضيف المنسق الوطني للطلبة المهندسين.
يُـذكر أن الندوة الوطنية نُظِّمت في إطار الحملة الوطنية التي أطلقتها الكتابة الوطنية لأوطم فاتح مارس الماضي، تحت شعار: ” تكافؤ الفرص حق مشروع، وشرط لنهوض منظومتنا التعليمية”، وذلك تنديداً بالوضع الكارثي الذي تعيشه الجامعة المغربية.