أتذكَّر حين كانت لدينا أحلام تداعب النجوم، نَكِدُّ و نَجِدُّ لنصبح علماءَ و مهندسين و دكاترةً و أساتذة… كنا حينها نرى الحياة بمنتهى البساطة؛ ندرس سِتَّ سنوات في التعليم الابتدائي، تليها ثلاثٌ في المرحلة الإعدادية، ثم ثلاث أخرى في التعليم الثانوي.. لنحصل أخيراً على تلك الورقة التي تُخوِّل لنا الولوج للجامعة التي طالما حلمنا بدخولها، تلك البوابة التي اعتقدنا أن كلَّ من تمكن من تجاوزها قد أمَّن مستقبلَه و ضمن وظيفتَه..! مرَّت بعض الأعوام التي حمَلت معها أملاً خادعاً كما تمُر سحابة الصيف، ثُم سرعان ما بدأنا ندرك شيئاً فشيئاً مدى بلادة المضامين المقرَّرة التي تقتل روح الإبداع في نفس التلميذ، و تجعله يسعى فقط للحصول على نقاط أكثر، في ظل منهجية تعليمية فاشلة ذاتِ محتوياتٍ طويلةٍ مُملةٍ لا فائدة منها، تفرض على المُتمدرس تَكدِيس معلوماتٍ جمَّة في دماغه، ثُمَّ ما يلبث حتى يجد نفسه أمام ضرورة الاختيار ، و أهمية الاختيار ، و تأثير هذا الاختيار على بقية حياتِه ، يوازيه ضعف التوجيه التربوي الذي يجعل التلميذ يتخبط حائراً أمام عدة تخصصاتٍ و شُعب و توجهات. كلُّ هذا تجاوزناه..! لنحصل -بشق الأنفس- على شهادة الباكالوريا، فبدأ الوعي بالمستقبل يستيقظ، و جعلَنا نرتطم بصخرة الواقع المُظلِم. إلى أين؟! مستقبلٌ مجهولٌ آفاقُه قاتمةٌ مُنسدَّة، واقع مُحبِط يجعلنا نَنغمِر في هموم الضَّياع و المَعاشِ العسير و الشُّغلِ السَّراب، أمام شبح البطالة و هاجِس المصير المجهول. كيف لا نفكر بهذه السَّوداوية و نحن نعيش في مجتمع تَغلُب عليه الوجهيات و المصالح، في مجتمع أصبحت فيه معايير التوظيف لا كفاءةً أو قدراتٍ ، و لا عمراً تَصَرَّمَ في التحصيل العلمي. بل و أصبح يُحتقَر فيه العالِمُ و يُهَمَّش، و أصبح الطبيب و المدرس و المهندس يُضربون و يُعتقلون فقط لأنهم خرجوا للمُطالبة بحقوقهم! و الآن، أصبح سَقف أحلامنا يُختصر في تلك الحقوق التي من المفروض أن يتمتع بها كل إنسان كيفما كان، حلمُ العيش بكرامة، بحرية، و في ظل عدالة اجتماعية..!