هل هلال جهاد طلب العلم؛ جهاد مرحلة وثغر من ثغور بناء صرح أمة في حاجة لجيل يعيد مجدها ومجد دينها، فمن طلب العلم ليحيي به الإسلام فهو من الصديقين ودرجته بعد درجة النبوة أو كما قال ابن القيم رحمه الله.
أبواب مفتوحة تستقبل “طلاب” حديثي العهد بهذا الإسم، ففي الماضي القريب كانوا تلاميذا أمام اختبارات ومباريات تحدد أهلية ولوجهم للمعاهد والمدارس العليا والجامعات بهذا الوطن الحبيب.
يلج كل طالب وطالبة بخطوات ثابتة عالما جديدا، وكل خطوة يخطوها هي سلوك عند الله وطريقا للجنة مصداقا لقول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا ؛ سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ).
في بداية كل موسم جامعي ينحدر كل طالب وطالبة من كل بيت ومن مدن شتى يحمل بين ثناياه عزما وحلما ودعوات تدثره أملا في تحصيل علمي يكفل له الوصول وتحقيق غذ أفضل، ليجد نفسه في ساحة جامعية جامعة تختلط فيها الألوان والأشكال والأطياف والأجناس والأعراق أحيانا، فهي المجتمع الصغير المحاط بسور المعرفة المؤهلة للمجتمع الكبير. تلك الساحة التي تجمع تلونات منها الغني والفقير والصغير والكبير والشيب والشباب جمعهم حب المعرفة والشرب من معين العلم وتنوير البصيرة والفكر.
في الجامعة أبواب مفتوحة كل داخلوها، فمن جاء من أقصى المدن البعيدة لابد أن يدخل باب السكن الجامعي، فأن تكون آفاقيا ليس كأن تكون مقيما، ستتنوع أوضاعك وظروفك ونمط حياتك بشكل كبير..
باب السكن الجامعي؛ حيثما تطؤه رجلاك فثمة عالم آخر، مبنى يأوي الجميع كحضن أم ترعى الجميع غير أن الدفء المعتاد تعوضه الجدران الباردة. المسؤول الأول والأخير عن الطالب نفسه وتربيته وقيمه التي سهر أبواه على تلقيتها له قبل وصوله لهذا المكان، المأكل والمشرب والمسكن سيتخذ شكلا آخرا وجودة أخرى لن تعتاده إلا بعد أيام.. ستغفو صباحا وتأتي متأخرا للمحاضرة تاركا وجبة الفطور وستخرج مسرعا ليتأتى لك اللحاق بالغذاء الجماعي الذي يقدمه الحي وأحيانا ستضطر لاقتناء وجبات إضافية لأن الأولى لن تكفيك.. سيزعجك رفيقك في السكن فيشغل الموسيقى وقت النوم وسيطفئ عنك النور عندما تسهر للإعداد والدراسة، سيلقي عليك مسؤوليات تنظيف وترتيب الغرفة المشتركة ولن يبالي بما يشغل راحتك، ستلتقي مع شبيهك وكثير من الأحيان سيجمعك القدر بمن هو مختلف عنك تماما،لكن؛ لا عليك، العلم يحتاج شغفا وحبا مع كثيير من الصبر، لذا تعلم أن تعتاد على جميع الظروف وأن تتأقلم وفق مايخدم مصلحتك وأهدافك..
إن لم تكن آفاقيا ستكون مقيما بين أحضان والديك وعائلتك، سيخرجك باب الأمان والاطمئنان والجو الأسري الدافئ، ستتبعك أمك بالدعوات الخالصة وسيرن عليك والدك عند تأخرك في الدخول للبيت.. ستلتقي أصدقاءك في طريقك وابن جيرانك وصديق طفولتك، لكن ستعترض طريقك صعوبات جمة ترهقك وترهق عزيمتك، طول انتظار المواصلات بشكل يومي سيهلك كيانك، ستجعلك تستيقظ قبل الموعد ساعات طويلة، طابور طويل أو ازدحام شديد.. ستتأخر عن محاضرات كنت ستحضرها باكرا، وستتلاحق أنفاسك وتشتد عند امتحانات واختبارات، لكن؛ لا عليك، العلم يحتاج شغفا وحبا مع كثيير من الصبر ..
احرص جيدا أخي الطالب وأختي الطالبة على أن وجودك الأول والأخير هو لغاية أسمى هي طلب العلم، واستعن بالله أولا وأخيرا خذه خير ملجأ ومعين.. اسأل الله التوفيق والسداد والصبر والمصابرة واتخذ خليلا يأخذ بيدك وتأخذ بيده ترسيخا للفهم وشدة في المواقف والظروف الصعبة.
قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ ؛ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )، فالعلم النافع أعظم ما يترك المرء بعد موته، والطالب المتعلم العالم بما يفقهه في أمور دنياه ودينه “كل في مجال تخصصه” يبني لبنة مجتمعه ويلعب دورا محوريا في منعطف التغيير الذي ينشد بناء الإنسان الإيجابي فيضع لبنة فوق لبنة ليتكامل وتستأنف الأمة دورها في بناء المجتمع الجديد..
الطالب والطالبة؛ أنتم جيل البناء، بكم تستأنف الأمة دورها الحضاري المنشود، ولتعلموا جيدا أن التحصيل العلمي جهاد في حد ذاته مهما بدت الآفاق منسدة.