أنا المقهور في وطنه، أنا المظلوم في وطنه، أنا المشرد في وطنه، أنا اللاجئ في وطنه.. منذ الصغر تعلمت أن حب الأوطان من الإيمان، فقد كان من أهم الدروس التي لقنها لنا معلمي،وجدتي التي كانت تقول أن “الإنسان يموت على بلاده أو أولاده”.
لكن عندما كبرت أدركت أن حبي لوطني أعمى بصيرة قلبي فقد ظلموني في وطني فسكت بدافع ذلك الحب،قتلوني وطحنوني في وطني فسكت بحجة ذلك الحب، أهكذا الحب يكون؟! أؤمن بفكرة الحب هذه، لكن وطني الذي أفديه يمزقني ويقتلني رويدا رويدا، اذن ما فائدة هذا الحب إذا لم يكن وطني يعطف علي ويضمن لي حقي، يحترمني ككيان مفعم بالحياة. أعرف تمام المعرفة أنه لا ذنب لك يا وطني فيما يفعله الطغاة بأبنائك، لكن ذنبي أني سكت عن الحق وصفقت للباطل، ذنبي أني لم أحرك ساكنا عندما أرادوا بك شرا، فأصبحوا يخنقوننا ليل نهار، بثوا اليأس في النفوس والمهانة في القلوب، اعتقالات بالجملة إخراسا للأصوات الحرة المنادية بالحرية والعدل والكرامة، لكي ينعموا هم وأبناءهم بخيرات وثروات بلادي.
لكن، هيهات هيهات فنحن باقون هنا ولو مزقت ثنايا قلوبنا سنناضل من أجل حياة حرة حتى آخر نفس. أنا لست ممن يريد الهجرة من بلاده خوفا من بطش آل فرعون، لكن أنا ممن يقول بلادي وإن جارت علي عزيزة. يا تري هل حبي لوطني قد يُردي بالظالم قتيلا ويسقط الطاغية في غيابات الجب أم هي أضغاث أحلام ؟؟ يا من تنادون بالحرية وتتشدقون بالعدالة ها أنا أُسجن باطلا ها أنا أقتل ظلما، أشرد حيفا، تدعون الإنصاف وترفعون شعار المساواة وتنكلون بأبناء جلدتكم خُفية صباحا و مساءا، فإن لم نكن نراكم فالله يراكم وستلقون حتفكم وإن طال الزمان. أؤمن أن الخير في أبناء وطني هم الشعلة التي ستنقذ وطني وتنظف ثراه الطيب من الجبابرة الطغاة، و من كل الظالمين الذين يختبئون وراء شعاراتهم المزيفة ووراء نضالهم المشبوه.
لكن متي الصحوة ومتي هبة التغيير التي تقتلع شجرة الزقوم من جذورها؟! ومتي سنصل إلي مدارج الإدراك والوعي بالحقوق المسلوبة والمهضومة بالتفقير العمد والظلم المباشر. تغنينا بآلامنا وهتفنا أننا مظلومون في بلادنا وتساءل الجلاد قبل المقهور “أين الثروة”. لكن لا أحد يسمع صراخ المظلوم إلا مظلوم مثله، أما الآذان الصماء والعيون العمياء التي أعماها الجاه والسلطة ولم تعد تشعر بمعاناة الشعب وآلامه فهس في سبات عميق تتنعم بخيرات بلادي.
وطني ليس تلك الجبال الشامخة، والطبيعة الخلابة، والسهول الخصبة، وطني تنكيل على الدوام، وطني أصبح فيه الفاسق عالما والعالم إرهابيا وظلاميا، أصبح فيه السالك طريق الحق رجعيا متخلفا، يمجدون مشاهير الفن والفسوق وينتقصون من المعلم المربي، يمنون على طالب العلم بدريهمات لا تكاد تصمد معه لسويعات ثم تذهب أدراج السكن والتنقل… مستجدات وطني ليست نموا و ازدهارا، ليست تقدما وعلوا، مستجدات وطني قتل في البر والبحر، مستجدات وطني ظلم وسلب للحقوق وإثقال كاهل أبناء الشعب بالضرائب والغلاء، مستجدات وطني تشميع وتضييق لحريات التعبير والمعتقد.
لكن التغيير آت آت ولو طال الأمد، وعد رباني نؤمن به و سنة الله في الكون لا تحابي أحدا، فليس العيب أن يتأخر زمن التغيير، لكن العيب أن تمشي في الطريق الخطأ وتنتظر التغيير، العيب أن تركن في بيتك وتتحسر على الظلم الذي يُمارس عليك وعلى أبناء وطنك وتنتظر النصر من السماء، سر في طريق الحق و لا تبالي بالأعداء والخصوم فهم حتما سيضيعون في أحد أزقة طريقك. رغم الحيف والجور والقسوة التي أعاني منها على أرضك يا وطني سأظل أحبك وأدافع عنك، إيمانا مني أن التغيير آت لا محالة. وأن اتحادنا كجسم واحد باختلافاتنا الإيديولوجية وتنوعنا الثقافي، و توحدنا على الهموم التي تجمعنا هي الكفيلة بإخراجنا من هذا المستنقع الذي أصبحنا نعيش فيه. فاحتفالنا الأكبر ليس بتغيير أرقام السنوات بل هو انتصارنا على الفساد و الاستبداد ومحو آثاره.