الجامعة فضاء للتلاقح الفكري والحوار وقبول الاختلاف، دون المساس بهويتها الأصلية التي أجمعت عليها الأجيال السابقة واللاحقة، وهي مركز للإشعاع الثقافي وأداة للبحث العلمي في اتجاه المساهمة الفاعلة ضمن المشروع المجتمعي العام.
إذن، فالجامعة بوابة للانفتاح على التجارب الأخرى من حيث الفكر والثقافة والممارسة دون المساس باستقلاليتها أو فرض محاولات توظيفية يمكن أن تغير من أدوارها الريادية في بناء المشروع المجتمعي الذي يسعى إليه الجميع وفق طموحات تناسب آمال المغاربة ملخصة في عنوان “مغرب الحرية والكرامة والعدالة” .
ولحساسية هذا الفضاء وأهميته في بناء أجيال المستقبل، أصبح لزاما على كل الغيورين التدخل لوضع حد لحالة التفكك التي تعيشها الجامعة على جميع المستويات، خاصة مؤسسات المجتمع المدني المكونة للجامعة والداعمة لها.
اليوم، وخلافا لأي وقت مضى، كل عقلاء الحركة الطلابية مدعوون إلى القبول بواقعية الأشياء، وبالاعتراف المتبادل وخلق جسور للتواصل والحوار في أفق القبول بعقد طلابي تجتمع عليه كل المكونات الطلابية. والأمر يهم أيضا عقلاء الساحة السياسية؛ فالتنظيمات السياسية مدعوة إلى دعم المبادرات الطلابية والشبابية من أجل تقريب وجهات النظر حول الجامعة ورهاناتها الاستراتيجية في بناء نخبة سياسية تستوعب أولى الأولويات لبناء العمل المشترك وهو مبدأ احترام الآخر وتقدير وجهات النظر.
لذلك وجب إعادة فتح نقاش جديد في أروقة هذه التنظيمات حول عملها الطلابي، تصوره، مجالاته، مستويات عمله، آليات تنفيذ برامجه، التحالفات الممكنة، أسس التحالف، بنود التحالف، الواجهات الداعمة في بناء الطموحات المشتركة بين هاته القطاعات وتنظيماتها…
الحوار هو حسن الاستماع للآخر والاستعداد المبدئي للتنازل عن الموقف أو الرأي الشخصي إذا ثبت خطؤه، وإننا، في أي حال من الأحوال، محكومون بالاختلاف، لطبيعة الوسط وحساسية عمل الحركة الطلابية وأدواره الاستراتيجية في معادلة التغيير وإسقاط أنظمة الاستبداد ضمن موقع طبيعي تساهم منه الحركة الطلابية بما ينسجم وذاتها، ثم لأن المقاربات التصورية لعمل الحركة الطلابية متعددة ومتنوعة، لذلك وجب فتح حوار هادئ يحدد المنطلقات التأسيسية لهذا الحوار ويفتح نقاشا مسؤولا بإرادة حرة لا تخضع لضغوطات خارجية أو سقوف محدودة.
من الأهداف المرجوة لهذا الحوار هي:
1- تجاوز حالة الصراع الفصائلي التي صنعها المخزن بأوهام تاريخية لا يعلم حقيقتها إلا هو وبعض الساكتين خوفا وقهرا.
2- تقريب وجهات النظر في أصول عمل الحركة الطلابية والمبادئ العامة التي ينبغي أن تسري في ممارسة كل المكونات.
3- البحث عن المشترك الطلابي من أجل تجاوز الخلاف وبناء حركة طلابية تستوعب الجميع، وتدافع عن مصلحة الطالب وترعى حرمة الجامعة، وتتجاوز الصراع المتوهَّم الذي صنعه المخزن.
4- بناء جبهة مدنية تنخرط فيها جميع الحساسيات السياسية والمدنية، دورها الأساس دعم النضال الطلابي واقتراح بدائل لترشيد ممارسة الحركة الطلابية.
5- ضرورة فتح حوار جاد حول موقع ومواقف الحركة الطلابية في العملية التغييرية العامة، لاسيما في الظروف الحالية والمتغيرات الدولية والإقليمية والوطنية.
إذن، فالتقريب بين وجهات النظر والاتفاق حول أصول العمل الطلابي ينبغي أن يحسم بالحوار وحسن إدارة الاختلاف لأن الأصول أصول والمبادئ مبادئ، وما دونهما اجتهاد في أساليب العمل وتنوع محمود يغني الأفكار ويثري المشاريع الطلابية، وهو في الأخير يصب في صالح النهوض بالوسط الذي تشتغل فيه الحركة.
فحينما نتحدث عن الحوار، فإننا نتحدث عن اختيار ومسار، وبذلك لا يكون الحوار إلا على أرضية مصلحة الجماهير والجامعة باعتبارهما محط إجماع الكل.
الحوار الطلابي إذن هو إحباط لسياسة الجبر المخزنية الرامية إلى تشتيت المكونات وخلق حالة الصراع الدائم، هذه اللعبة التي يمسك بزمامها المخزن ويربطها بأحداث تاريخية حاكها بطريقته الخاصة، والآن يوظفها ضمانا لاستمرار سيادته، فهو حريص أن يبقى موجها لمعادلة لعبة التوازن – التي ما فتئ يحركها في كل وقت وحين – بين الإسلاميين واليساريين، وبين فئات اليسار نفسه وللتاريخ سِجِل.
إن الالتقاء على مبدإ الحوار الطلابي بما هو إفشال لسياسة “فرق تسد” التي تنهجها الدولة، هو قبل ذلك مسؤولية وأداء للأمانة، فهو صدق مع الذات منطلقا، وخدمة لمصالح الحركة الطلابية هدفا. فهل بإمكان المكونات الطلابية تجاوز هذه العقبة وتحطيم الأصفاد؟ أم إن الأغلال كبلت الأيادي والإرادات؟
في واقع الأمر، الخيار متروك للأطراف الطلابية وما تمثله وتحمله من ثقافات وما خضعت له من تأثيرات في محيطها الذي نشأت فيه أو عبر المؤسسات التي تنتمي إليها.
الخيار متروك لها: هل تريد فعلا النهوض بحال الجامعة؟ أم تريد الاستفادة من أزمة العنف الطلابي الخانق لقضاء مآرب ضيقة ومنافع سياسية مقيتة؟ وبالتالي فاستمرار التردي والتأزم هي الوضعية المريحة بالنسبة لهاته الفئة.
نرى من وجهة نظرنا أن الحوار ضرورة من أجل التعايش بين فئات المجتمع الطلابي وبين بني الإنسان بصفة عامة، وأما من لا يقبل الحوار فهو أحد فئتين:
– فئة إقصائية متزمتة: ترى الواقع والذي ينافسها في الاشتغال فيه عبارة عن لونين أبيض وأسود، الأبيض أنا، والأسود أسود عدائي ظلامي حقير حامل لثقافة الجمل، هذه الفئة توجد في كل مجتمع، فهي لا تقبل الحوار على أية حال وتؤمن بالعنف وتصفية الخصوم، وليس لها إلا التآكل والانتحار السياسي أو التمخزن المتطرف آخر الأمر.
– فئة انتهازية: تسير مع الغالب حيثما سار لا تهمها إلا مصالحها الشخصية وهي مستعدة للتحالف مع الشيطان لحماية مصالحها وهي مطالبة بحسم المواقف ومراجعة الذات قبل فوات الأوان.
يبقى الحوار اختيارا أصيلا ومبدأ ثابتا واقتناعا راسخا لدى كل من يريد التغيير الحقيقي والتعبير العميق لدى كل ضمير حي يتعرف قلبه على ما تتقاذفه الأمواج العاتية بالجامعة من عنف وتآكل وضعف وما تعيث به القوى المستكبرة التي لا ترقب في غيرها إلا ولا ذمة.