قال الله تعالى : «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين.» إذا كان الاعتذار هو ذلك الفعل النبيل الكريم، الذي لو طبق بين الناس بعزم ونية صادقة، لتداوت القلوب المكسورة و الكرامة المجروحة، و لأصلحت العلاقات المتصدعة، و أعيدت كل المياه إلى مجاريها، و لأذيب الغضب المتحكم في الأفئدة. فإن ما يقابله في التربية النبوية هو “التوبة” باعتبارها مصطلحا قرآنيا نبويا مرتبط بالمعاصي أو التقصير في حق المولى عز و جل، إلا أنها تشمل مصطلحات الاعتذار كذلك المتعلقة بحق الناس والمجتمع، و تشمل شرط الندم على المعصية و المراجعة الذات و الاعتراف بالخطأ والإقرار به، و الرجوع عنه. و إذا كان الاعتذار بهذا المعنى تصرف نبيل و كريم و حسن و له كل هذه العواقب الطيبة و النتائج الحسنة على الفرد و المجتمع، فإن الأفضل منه و الأحسن أن نحذر من الوقوع فيما يجعلنا مضطرين إليه ، فنجتنب ما أمكن، الوقوع في الخطأ ، كما أوصى بذلك المربي العظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: « و لا تكلم بكلام تعتذر منه غدًا» . فإن زلت قدمك مرة فإنه “لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة” كما في الحديث الذي رواه أحمد وحسنه الترمذي ووافقه الأرناؤوط.. و لاشك أن كل أقدام بني البشر معرضة للزلل و كل النفوس مهيأة للعتر، و ليس بينهم معصوم إلا الأنبياء ، و هي حقيقة ثانية في التربية النبوية، فالكل يخطئ ويصيب ، و خيرهم من يعترف بخطئه، و يقر به ، و يعتذر عنه، و يعمل على إصلاحه، بدليل الحديث الشريف الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم :”كل بن آدم خطاء و خير الخطائين التوابون” . وفي حديث آخر”المؤمن رجاع” أي يرجع إلى الحق إذا تبين له وجهه، لأن الله سبحانه و تعالى يغفر الأخطاء و الذنوب كلها لقوله تعالى «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم» الزمر 54. و لقوله سبحانه «و الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله و لم يصروا على ما فعلوا و هم يعلمون» آل عمران135، و الخطأ الوحيد الذي لا يغفر هو الشرك بالله «إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا» النساء116. إن الاعتذار و قبوله من سمات الصالحين .. فكل ابن آدم خطاء لذلك ليس من معصوم إلا الحبيب صلى الله عليه و سلم ، و من الكبر أن يخطئ الإنسان في حق أخيه و لايعتذر منه ، و كثيرة هي المواقف التي تحتاج إلى اعتذار ، ككلمة جرحت مشاعر الآخرين وعدم وفاء بعهد أو عدم ردّ عارية في وقتها أو خلف وعد. إلى غير ذلك من المواقف التي لا يخلو يوم في حياة الإنسان منها و الحرص المتبادل بين الناس على الاعتذار من المخطئ، و قبول العذر من الطرف الآخر من سمات المسلمين الراغبين في دوام الوحدة، و الأخوة و الترابط، مما يجعلهم صفاً واحداً ضد الشيطان و جنده، قال أحد الصالحين إذا اعتذر الجاني محا ذنبه و الذي لا يقبل العذر جانيا الاعتذار يمحو الذنب يُصفي القلوب ، يكسب التواضع يقي من الهلاك، فما أجمل الاعتذار بين الإخوان و الأصحاب والأحباب و ليس الاعتذار دليل الضعف أو الغباء و السذاجة كما يظن أكثرهم بل هو القوة ، و الثقة ،و النقاء ، و الصفاء ، و الحب والود. إننا بحاجة إلى تربية نفوسنا على ثقافة الإعتذار و طلب العفو و التسامح ممن قصرنا أو أخطأنا في حقهم بقصد أو بدون قصد حتى يستمر العطاء و تزداد الروابط و تطيب النفوس و تنجز الأعمال و يعرف مكان الخطأ حتى يتجنب الجميع تكراره و يسلم المرء و المجتمع من تبعات العناد و الكبر و الإصرار على الخطأ الذي قد يدمر مجتمعات و أمم و شعوب و حضارات و أهم من ذلك كله أن المرء ينجو بإعتذاره عما بدر منه تجاه الآخرين من تبعات السؤال بين يدي الله يوم القيامة، فلا تتأخروا أو تتثاقلوا عن الإعتذار حين يكون هو الحل وهو العلاج.
بقلم الطالب:ياسر أبوعمار