عندما ينجح الطالب في الثانوية العامة، فإنه يكون قد أعد نفسه لمرحلة مهمة من مراحل حياته، وهي مرحلة الحياة الجامعية، التي يعتمد مدى نجاح الطالب في بناء مستقبله وتحديد مسار حياته على قدرته على الاستفادة منها وحسن التفاعل معها، حيث يجد الطالب في الجامعة الأنشطة المتنوعة والفرص الكثيرة التي تساعده على رسم معالم شخصيته وتكوين ذاته وتزكية نفسه وبناء مستقبله، وتيسر له التفاعل الإيجابي مع المجتمع المحلي وقضايا الأمة.
وسيجد الطالب أن الحياة الجامعية هي مرحلة من أروع مراحل حياته، ومن أكثرها أهمية، ومن أجملها حيوية ومتعة، وفيها أفضل فرص بناء الذات وتزويدها بعوامل النجاح ووسائل مواجهة التحديات التي تعترض حياة الطالب. لذلك فإن الطالب الناجح، الذي يشعر بالمسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقه تجاه نفسه ومجتمعه وأمته، يهتم في هذه المرحلة الجامعية أولاً: ببناء نفسه حتى تكون محصنة من الآفات التي تصيب الناس وتفتك بهم وبمستقبلهم، وثانياً: بالسعي الدءوب من أجل التميز والنجاح وصناعة الحياة الكريمة المعطاءة، حتى تكون له مكانته المرموقة في المجتمع، ليتمكن من المساهمة في تطويره وارتقائه وحل مشاكله، ومن المساهمة في الدفاع عن أمتنا وبناء نهضتها وحضارتها.
وكما سوف يتعلم الطالب في الجامعة العلوم التي تساعده على الحصول على درجة علمية تؤهله للحصول على وظيفة مرموقة، فإنه مطالب أيضاً بأن يتعلم التخطيط لمستقبله وبناء ذاته، وبأن يوظف وجوده في الجامعة وكل الفرص المتوفرة فيها لخدمة أهدافه المستقبلية للوصول إلى الغد المشرق الذي ينشده، وليكن شعار الطالب
إذا مرَّ بي يومٌ ولم أصطنع يداً … ولم أستفد علماً فما ذاك من عُمري
إذاً المطلوب من الطالب في المرحلة الجامعية أن يسعى بجد واجتهاد لبناء ذاته بناء قوياً متوازناً ومتكاملاً. والإسلام حث على بناء الذات، ودعا إلى إيجاد الخير والإرادة القوية والعزيمة في نفس المسلم، لتحصينه من عوامل الضعف والإخفاق أمام المصاعب والأزمات، ولحمايته من الانهيار أمام المؤثرات الخارجية، ولا سيما في هذا العصر الذي يشهد صراعاً ثقافياً شاملاً. والنجاح في بناء الذات ينقل معركة المسلم مع الدنيا خارج نفسه وليس داخلها، مما يؤدي إلى انسجام المسلم مع ذاته، ويؤدي إلى شعوره بالسكينة والاطمئنان، ويدفعه إلى الإبداع والتميز والعمل بجد ونشاط، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {المؤمنُ القويُ خيرٌ وأحبُ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ، وفي كلٍ خيرٌ}.
وحتى ينجح الطالب في تكوين ذاته تكويناً سليماً وبناء مستقبله بشكل أفضل، عليه أن يشارك في الأنشطة الطلابية والنشاطات الثقافية والاجتماعية التي تعقدها الجامعة، وعليه أن يكون عنصراً فاعلاً في التكتلات الطلابية التي تهدف إلى الارتقاء بمستوى الطالب ومساعدته وزيادة تفاعله مع قضايا أمتنا والمجتمع المحلي. كما يجدر بالطالب الاهتمام بارتقاء نفسه وتزكيتها، والتكوين المتوازن لشخصيته، بحيث لا يطغى جانب على الجوانب الأخرى، وبحيث لا يفرِّط الطالب في واجباته الجامعية. وذلك من خلال حضور الأنشطة الطلابية المتنوعة، وحضور المحاضرات والندوات العامة التي تعقدها الجامعة، ومن خلال المشاركة في إعداد الأنشطة التي تعقدها الجامعة للطلاب والمساهمة في تحسين الظروف الأكاديمية في الجامعة وحث إدارتها على تحقيق الجودة التعليمية وفق المعايير الدولية. كما يجدر بالطالب الاستفادة من الدورات والورش التي يرعاها مركز التعليم المستمر والمراكز الأخرى في الجامعة، لتزويد نفسه بالمهارات والخبرات والمعارف التي تساعده على الجمع بين الأصالة والحداثة، وعلى النجاح في وظيفته وخدمة أمته واستنهاضها والدفاع عنها.
فأمتنا تعيش فترة حرجة في ظل انتكاسة حضارية وجمود وعجز أمام حضارة غربية مادية متوحشة، تريد تذويب هويتنا الثقافية، ليسهل الهيمنة على عقولنا وأوطاننا، مستخدمة في ذلك كل أسباب القوة والتقدم التكنولوجي التي تمتلكها، وخاصة وسائل الاتصالات والفضائيات والإنترنت، فأصبح من الصعب في ظل هذا التدفق الإعلامي و المعلوماتي أن نعزل أنفسنا عن غيرنا في هذا العالم الذي أصبح قرية صغيرة، ولم نعد قادرين على منع وصول أنماط الحياة الغربية إلى بلادنا دون بناء الذات وتربية النشء، ونتج عن ذلك تعرض الفتيات والشباب، الذين هم مستقبل أمتنا، إلى أخطار كبيرة، وأصبحت الحياة الغربية هي المثال الذي يحتذي به كثير من هؤلاء الشباب والفتيات .
ولذلك على الطالب أن يعد نفسه جيداً من جميع جوانبها، مستفيداً من المزايا العديدة لحياته الجامعية وفرصها الكثيرة، ليصبح عصياً على الاختراق والحرف والسقوط، وحصيناً من التفريغ الثقافي، ومواطناً صالحاً قادراً على العطاء وصناعة الحياة، خاصة الطالبات، اللاتي يسعى أعداء أمتنا إلى تحويلهن إلى معاول هدم وأدوات إفساد.
بقلم:محمد وهاج طااب جامعي