يشكل الشباب فئة عريضة داخل المجتمع المغربي وقاعدة هامة. ولو كان ذلك في دولة من دول القارة العجوز لجعلت لذلك عيدا يحتفى به، عوض اللجوء إلى استيراد طاقات شبابية من دول العالم الثالث وغيرها. لكن مقياس الدولة المغربية عكس ذلك، حيث يراد من خلاله للشباب أن يبقى كما مهملا لا يسمن ولا يغني من جوع، بل أبعد من ذلك تنهج سياسات عمومية ومخططات جهنمية بهدف تخديره وفصله عن الواقع حتى لا يكون مساهما فيه بشكل إيجابي. وهذا ما يلاحظ من خلال كبح كل المبادرات الشبابية التي تظهر في عدة مجالات كبرى والتي تتعرض للقمع والإقبار عوض التشجيع والتأهيل.
إن شباب اليوم لم يعُد كما كان عليه حاله بالأمس، فقد أصبح سريع التحول لأن حركيته داخل المجتمع تسير بشكل كبير بالرغم من المحاولات الكثيرة لإبطائها. فقد كسر الحواجز وحطّم كل الأرقام وخرج إلى الشارع ليُعلي صوته ويُسمع قضيته رغم كل سياسات الآذان الصمّاء التي تنهجها الجهات المسؤولة في الدولة على ملفاته وهمومه الحقيقية، والتي أصبح الالتفاف عليها صعبا في ظل ما يعيشه العالم العربي من هبوب لرياح ونسمات آمال الحرية والكرامة والعدل.
لقد كان الكل في المغرب يُجمِع سابقا على أن الشباب لا يهتم بالسياسة نظرا لعدم مشاركته وانضمامه للأحزاب السياسية وعزوفه عن الانخراط فيها، لكن مع بروز ما اصطلح عليه بالربيع العربي وظهور حركة 20 فبراير بالمغرب سقطت هذه النظريات وتغيّرت الكثير من المقولات. واتضح أن الابتعاد عن المشاركة السياسية ناتج عن عدم تلبية حاجيات الشباب ومتطلباته. لذلك بدأ يبحث لنفسه عن أشكال أخرى يجد فيها ذاته ويعبر عنها كانخراطه في مواقع التواصل الاجتماعي التي لعبت دورا بارزا في خلق الحراك الشعبي. مما عزى معه أن الشباب المغربي يعيش ويمارس ويشارك في السياسة التي تفضي بحسبه إلى تغيير حقيقي.
ولعلّ ما يبرز عدم ثقة الشباب في المشاركة السياسية الرسمية، والتي لا يرى أي جدوى من ورائها، هو العزوف عن التسجيل في اللوائح الانتخابية خلال الحملة الانتخابية الأخيرة للانتخابات التشريعية. على الرغم من كل ما بذلته الدولة من تسويق إعلامي وتعبئة إلا أن ذلك قوبل بوعي ونضج كبير ومتقدم من الشباب، حيث أعرض عن التسجيل في تلك اللوائح وقاطع التصويت.
إن المشكل الذي يعانيه الشباب المغربي هو مشكل التموقع الذي أدى به إلى التيه وفقدان المعنى الحقيقي لوجوده ولأدواره المنوطة به، وذلك نتيجة عدة مشاكل، من بينها البطالة، كأكبر عائق يجمد حركة الشباب ويؤدي به للانحراف والسخط. وهذا ما تولد عنه فقدان الثقة في المستقبل وفي الدولة، بل وفي المجتمع ككل، حيث المفارقات الاقتصادية الكبيرة والتفاوت الطبقي وغياب تكافؤ الفرص والمساواة في الحقوق .
وبالرغم من كل هذه الظروف الصعبة أعتقد أنه ينبغي على الشباب ألا يهرب من واقع المجتمع وألا ينزوي وينعزل عنه لأن ذلك يزيد من صعوبة معالجة قضيته. لذلك يجب عليه أن يتغلغل في المجتمع ويفرض ذاته ويتكتل حتى تقوى شكيمته. فالرفض العابر لا يجدي نفعا وإنما ينبغي أن تصاحبه حركية دائمة حتى يؤثر ذلك في القرار وفي صانعيه.
ويبقى المدخل الأساسي للنهوض بوضعية الشباب هو الحفاظ على هويته وقيمه وعدم الذوبان والانعزال والخوض في الظواهر الاجتماعية السلبية، من خلال توفير مشاريع لتأهيله ليساهم في بناء وطنه ومستقبله، ثم من خلال مساهمة المجتمع المدني في توفير الصدر الرحب لإيواءه وإدماجه بشكل جدي في مؤسساته. وينبغي على الدولة وضع استراتيجية جادة للنهوض بوضع الشباب وذلك باعتبارها المسؤول الأكبر من خلال فتح المجال للتعبير عن رأيه وطموحاته وخلق فرص للشغل لسد حاجياته..
وفي الأخير، على الشباب المغربي ألا يُغيِّب عن ذهنه وجود الأمل، وأن يكون مؤمنا بأن الوضعية الحالية التي يعيشها هي مسألة وقت مقرونة بزوال الفساد والاستبداد. التي تعتبر بشكل أساسي بداية انتهاء كل الآلام والآهات التي يكتوي بها الشعب المغربي بكل فئاته، وليس الشباب فقط، ثم أن يعي جيدا بأن السلمية في الاحتجاج المشروع هي سلاح من لا سلاح له، فالعنف لا يأتي بخير، بل لا يزيد الطين إلا بلة وذلك مهما بلغ عنف الدولة، ثم الحذر من الانجرار إلى كل المحاولات الاستفزازية التي تنهجها الدولة من تسخير ل”الشمكارة” وغيرها من الأشكال الدنيئة التي تنهجها بغية شرعنة تدخلاتها القمعية ضد السلميين لإراقة الدماء وخلق الرعب..وهي واهمة بذلك فالقمع والارهاب والاعتقال..لا يزيد الشباب إلا عزما ومضيا نحو تحقيق مطالبهم المشروعة، وسخطهم على سياسة القمع والتنكيل عوض الحوار والاستجابة للمطالب. فقد ولى زمن الخوف، ولا حل لإيقاف الاحتجاجات السلمية إلا بتحسين ظروف عيش الشباب بالاستجابة العاجلة لحاجياتهم، وأي تماطل لمطالب هذه الشريحة التي ليس لديها ما تخسره في ظل الوضعية المزرية التي تعيشها، نتيجته هي المزيد من الاصرار والصمود إلى آخر نفس، فلم يعد للشباب ” بو الوقت” للمزيد من الانتظار والتسويف والخنوع، أفليس منكم أو فيكم رجل رشيد؟؟