تعتبر الجامعة مكانا حرا للفكر وممارسة الأنشطة الثقافية والابداعية والرياضية، حيث ينتقل فيها الوافد الجديد من مكان ضيق درس فيه سنوات، لينتقل بعد حصوله على شهادة البكالوريا إلى مكان فسيح بين جدرانه حلقات فكرية وعلمية ومكتبات واسعة وطلبة كثر مما يوحي إليه أن الجامعة مكان مقدس لا وقت فيها للعب واللهو، بل الأمر كله جد، جدي بما هو طلب للعلم أوجبه الله عز وجل على كل فرد لبناء شخصيته ونفع أمته، فيتخرج الطالب من الجامعة وهو موسوعة فكرية قادر على تسيير دواليب الدولة وصناعة مستقبله..، وفجأة وفي ليلة ظلماء أصبحت الجامعة نواة لتجريب كل مخططات ضرب الشباب في قيمه وفكره..، لتصبح النتيجة تخريج طالب معاق فكريا بارد إراديا خامل نضاليا..، وتوالت الضربات واستمر القصف من سياسات عرجاء جعلت التعليم وتصنيف الجامعات بالمغرب في ذيل المراتب العالمية، لنجد العامل الأساسي والفاعل الرئيسي هو النظام السياسي لمعرفته أن الطالب المثقف والواعي يشكل خطرا على تواجده ومستقبله وذلك لوعيه بحقوقه وثروات بلاده..، فكان التعليم المشروع الاستراتيجي للنظام لتشويهه إلى أن تم الاعتراف منه رسميا أن التعليم في بلادي انتهت مدة صلاحيته.
لكن مع كل هذا كانت ولا تزال هناك أصوات داخل الجامعة ممانعة وتقف سدا مانعا أمام سياسة التخريب وتعبر عن ذلك بكل ما أوتيت من قوة، وقد ساهمت في الردع والتصدي لمجموعة من الضربات وأدت لذلك ثمنا باهضا، حيث كسرت جماجم وهشمت عظام واعتقل طلبة وسجن آخرون، ولولا هذه الممانعة من المكونات الطلابية والمنظمات النقابية بالجامعة لكانت هذه الأخيرة سجنا موصدا للطلبة لا يلجونه ولا يخرجون منه إلا تحت رعاية رجال “الأمن” ، واسألوا الدورية الثلاثية التي تصدى لها الطلبة بصدور عارية في الوقت الذي كان “رجال الأمن” يلجون الجامعة حاملين السيوف والسلاسل الحديدية لمنع أي تظاهرة طلابية.
لعل آخر قذيفة كانت موجهة للطلبة الجامعيين هي ضرب مجانية التعليم لولا أن تصدى لها مناضلوا الاتحاد الوطني لطلبة المغرب رفقة الجماهير الطلابية والشعبية الحرة الأبية، بوقفة أمام البرلمان العام الماضي وعدة خطوات نضالية لتتراجع الدولة عن غيها بعد أن انكشفت نيتها المقيتة.
لكن مع ذلك تستمر الدولة في حبك وممارسة سياساتها التخريبية للجامعة، ليبقى المستهدف الأول والأخير منها هو الطالب والطالبة ، لبعث اليأس والقنوط من مستقبل لن يبزغ فجره في ظل تغاضيها عن مشاكل حقيقية لا نية لها لإصلاحها: كالاكتظاظ المهول وإغلاق الأحياء الجامعية والمطاعم وضعف المناهج البيداغوجية والفساد الأخلاقي والاداري والنقل وضيق الحيز الزمني للتدريس وكثرة المواد..مما يجعل الباب مفتوحا على تنامي الاحتجاجات خاصة في ظل مشهد سياسي سمته الانحباس والجمود ووضع اجتماعي على فوهة بركان مع استغلال واحتكار ثروة البلد أمام أعين الشعب الذي لم يجد شربة ماء ولا كسرة خبز ولا هواء نقي يتنفسه، ومعتقلين أبرياء في السجون ذنبهم الوحيد مطالبتهم بأبسط حقوق العيش، ولعل الحدث البارز الآن في الساحة بعد معتقلي حراك الريف هو اعتقال طلبة الجديدة بجامعة شعيب الدكالي وتلفيق تهم جنائية لهم بعد أن طالبوا بحق دستوري وتكفله المواثيق الدولية والمنظمات الحقوقية وهو فتح المطعم لتوفير لقمة عيش، ناهيك عن محاولات الاعتقال المستمرة لطلبة طنجة بجامعة عبد المالك السعدي بسبب احتجاجهم عن الفساد الأخلاقي والاداري الذي كانوا ضحيته.
إن الاستمرار في المقاربة الأمنية داخل الساحة الجامعية للجم الأصوات الحرة التي تعري واقع التعليم الذي أصبح مكشوفا بصفة رسمية هي محاولة يائسة للترهيب والتخويف في وقت مفتوح على كل الاحتمالات قصد تغيير حقيقي تتنسم فيه الشعوب نسيم الحرية بعد أن أزكمتها وخنقتها رائحة الفساد والاستبداد القابض على الثروة ودواليب الحكم بيد من حديد ، كما أن المقاربة الأمنية كحل لقمع المطالب الاجتماعية ما هي إلا دافع للتحريض على الصمود والتشبث بالمطالب العادلة للقضايا الاحتجاجية، أطلقوا سراح المعتقلين، أنصفوا الشباب و الطلاب، واعلموا أن مكان الطالب هو الجلوس في المدرج وليس القبع في الزنازين، فلا السجن يرهبنا ولا الموت يفنينا، وما ضاع حق وراءه طالب.
فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ(73) إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ (74).سورة طه.